مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: حان الوقت لتحرير شعبنا من الاضطهاد والعذاب
قال المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور إنه "حان الوقت لإنهاء الاحتلال غير القانوني والبغيض الذي دام 57 عاما، وحان الوقت لتحرير الشعب الفلسطيني من الاضطهاد والعذاب الذين لا نهاية لهما، اللذان ما فتأ المحتَل عديم الرحمة يلحقهما به لعقود ويتعهّد بمواصلة القيام بذلك دون نهاية، تقود خطاه في ذلك أجندته الاستعمارية، والتطهير العرقي، والفصل العنصري، والآن الإبادة الجماعية، التي تشكّل ركائز سياساته بحق شعبنا".
وأضاف منصور في كلمته أمام مجلس الأمن، اليوم الثلاثاء، عقب عرض التقرير ربع السنوي للمجلس بشأن تنفيذ القرار 2334، المؤرخ في 23 كانون الأول/ديسمبر (2016) الذي طالب بإنهاء جميع الأنشطة الاستعمارية الإسرائيلية، "لا يمكن لأحد أن ينجو بمجرد الاعتماد على قوة السيف، ولا سيما السيف الذي يقدّمه له شخص آخر. إن العدالة والسلام أفضل الضمانات لشعوبنا. وإننا ندعوكم للمضيّ قدما واتخاذ إجراءات سريعة ضمانا لعدم فقدان العدل والسلام إلى الأبد في هذا الهجوم، ما من شأنه أن يتركنا فريسة للواقع الذي سيلتهمنا. طوبى لصانعي السلام. إن هذا الوقت المناسب لهم ليبيّنوا بأن لديهم الإرادة للقيام بما يلزم قبل فوات الأوان".
وشكر منصور المنسق الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند لعرضه التقرير الربعي للأمين العام حول تطبيق القرار 2334، وقال: "يروي تقرير الأمين العام قصة. إنها قصة تعرفونها جيدا جدا، إلا أنه ينبغي ألا تعتادوا عليها. إنها قصة تهجير المجتمعات وسلبها ممتلكاتها بفعل العنف والقوانين والأوامر الجائرة. إنها قصة استيطان استعماري وضمّ لا يمكن إنكارهما، ومتواصليْن وغير مبرريْن. إنها قصة هجمات عشوائية ضد الفلسطينيين، وقتل جماعي لسكان مدنيين بأكملهم وتشويه لهم، وقبور جماعية، وهجمات على المستشفيات والأمم المتحدة وموظّفيها، وقتل للعاملين في المجال الإنساني، وتدمير غاشم للبنية التحتية المدنية ولظروف الحياة. إنها قصة محاولة إسرائيل المستمرة لتدمير فلسطين وشعبها ولفشل العالم في وضع حدّ لذلك".
وأضاف: "لم أحضر إلى هنا لأتحدث عن السياسات التي تعرفونها وتشجبونها جميعا، بل لأقرع ناقوس الخطر لنا جميعا بأنّه قد كُتبَت هذه المأساة التي تجري أمامنا منذ وقت طويل. لقد كانت هناك كل الإشارات التي دلّت على ذلك، ومع ذلك لم يتم إتّخاذ أيّ إجراء للتصدي لهذا التهديد الوجودي الذي نواجهه. لقد حان الوقت لكسر ما هو محظور بشأن إفلات إسرائيل من العقاب".
وتابع: "دعوني أقول هذا بأوضح طريقة ممكنة: لا أسلحة لقتلنا، ولا أموال لاستعمارنا، ولا تجارة لسرقتنا. إن واجب كل دولة أن تبدأ من هنا، وأن تضمن ألا تساهم حكومتها، وكياناتها، وشركاتها، ومواطنيها –بأي شكل من الأشكال- بعد الآن في الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني".
وحيّا منصور، جميع الدول "التي دعمت بنشاط الحقوق الفلسطينية، ودعمت شعبنا وحكومتنا، وقدّمت المساعدات الإغاثية الإنسانية، واتّخذت إجراءات قانونية، واعتمدت تدابير ملموسة من أجل وضع حدّ لهذه الجرائم، واعتمدت أيضا عقوبات ضد المستعمرات والمستعمرين العنيفين المتطرفين". كما حيّا الدول التي اعترفت بدولة فلسطين ودعمت حصولها على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
واستدرك قائلا: "ولكن تستدعي الحاجة ما هو أكثر من ذلك بكثير لكبح جماح الحكومة الإسرائيلية، التي تهدم في الوقت الذي تساعدونا فيه، وتسرق في الوقت الذي تقدّمون فيه التمويل، وتنكر حقوقنا وتتّخذ الإجراءات التي من شأنها تدمير دولتنا ومعها حل الدولتين وأي فرصة لإحلال السلام في الوقت الذي تعززون فيه حقوق الشعب الفلسطيني واستقلاله".
وتساءل: "إرادة مَن هي الأقوى؟ أإرادة المتطرفين في إسرائيل أم إرادة صانعي السلام حول العالم؟ لدى المتطرفين الإسرائيليين الذين يتولون مقاليد الحكم الاستعداد للقيام بكل ما يلزم لتدمير السلام. فهل أنتم مستعدون للقيام بكل ما يلزم لإنقاذه؟".
وأضاف: "سنقوم بدورنا ونتحمل مسؤوليتنا، كما فعلنا في أسوأ الظروف ملتزمين التزاما صارما بسيادة القانون الدولي، إلا أنه يتحتم مساءلة الطرف الذي يخرق القانون يوميا. لقد اعتُمدَت القوانين لضمان العدالة، ويتعذّر أن تتحقّق العدالة دون إنفاذ تلك القوانين. لا يمكن أن يكون لديكم طرف يتصرّف بمسؤولية، فيما يتصرف الطرف الآخر في ظلّ إفلات تام من العقاب، وأن تتوقّعوا نتيجة مختلفة عن الحالة المروّعة التي نشهدها".
وتابع: "إن هذه الحكومة الإسرائيلية تتحدّى كل تدبير تتخذونه لدعم حريّتنا ولتحقيق السلام والأمن المشتركين للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. إنهم يتّخذون إجراءات عقابية بحقنا وبحقكم، ويقولون علنا ويعلنون على مسامع العالم كله بأنهم سيرتكبون جرائم جديدة ردّا على إجراءاتنا وإجراءاتكم القائمة على أساس القانون الدولي".
وأردف قائلا: "إنهم يعلنون صراحة بأنهم سيواصلون الاستيطان في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وسينتهكون الوضع التاريخي والقانوني، وسيواصلون اعتداءاتهم على قدسية الأماكن المقدسة، وسيحتجزون عائدات الضرائب الفلسطينية. يعلنون ذلك دون حياء ودون إيلاء أي اهتمام للقانون، مقتنعين بأن إفلاتهم من العقاب سيدوم. تلك هي غطرسة المتطرفين والمستعمِرين. إذ أنههم يهاجمون أقرب حلفائهم كأنهم أعداء لانتقادهم للسياسات الإسرائيلية، فيما لا يبدون أي تردّد عندما يهاجمونكم ويهينونكم جميعا. وهذا يعني بأن الانتقاد غير كاف. فالمطلوب هو العواقب".
وخاطب منصور مجلس الأمن قائلا: "اسمحوا لي أن أتكلم عن أولئك الذين يأتي التقرير على ذكرهم في نهايته وبالكاد يتم ذكرهم في هذه القاعة، الذين تُركوا لمعاناتهم وللمحنة الفظيعة التي يواجهونها كما لو أنهم كانوا غير مستحقين لأي اعتراف بإنسانيّتهم وحقوقهم واحترام لها".
وأضاف: "إننا أمّة أسيرة. لا يوجد فعليا أي عائلة فلسطينية لم يسبق وكان من بين أفرادها أسرى أو أن منها أسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، عانوا من الاعتقال التعسفي، والتعذيب وسوء المعاملة، والاعتداء الجنسي، والعنف قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر بزمن طويل. ومنذ ذلك الحين، ما فتأوا يعيشون في جحيم مطلق. لقد تمّ اختطاف آلاف الفلسطينيين، وتعذيبهم، وقُتل الكثيرون وهم رهن الاعتقال، وبُترَت أطراف العديد منهم جراء سوء المعاملة. لفد فاق عدد الفلسطينيين الذين استشهدوا وهم رهن الاعتقال لدى إسرائيل في الأشهر الثمانية الأخيرة عدد السجناء الذين توفوا في غوانتانامو في 20 عاما بأكثر من 4 أضعاف. أليس الاختطاف، والتعذيب، والإخفاء القسري، واستخدام الأسرى كدروع بشرية، والعنف الجنسي بحق الرجال والنساء والأطفال – نعم الأطفال- جديرة بالتعبير عن السخط إذا كان الضحايا فلسطينيون؟".
وتابع: "لقد عُنيَت بعض أولى قواعد القانون الدولي التي اعتُمدَت قبل عدّة مئات من السنين بمعاملة الأسرى لكونهم كانوا مستضعفين لدى العدو واعتُبر إلحاق الأذى بهم عندما كانوا عزّل عارا. ولقد كان ذلك لحماية المقاتلين، فتخيّلوا كم سيكون الأمر عندما يكون المعتقلون مدنيين، وعندما يكونون أطفالا. إن حريّة أسرانا إنما تشكّل جزءا أساسيا من حرية شعبنا".
وجدد منصور التأكيد على أن قرارات مجلس الأمن ملزمة، بما فيها القرار 2735، داعيا إلى تطبيقها تطبيقا كاملا، دون أي تأخير وعلى وجه السرعة، مشيرا إلى أن القرار 2735 واضح بأن مقترح وقف إطلاق النار يتألف من ثلاث مراحل، بما فيها المرحلة الثانية التي تتوخّى نهاية دائمة للحرب وانسحابا إسرائيليا كاملا من قطاع غزة. ولا يخضع المقترح لنهج الانتقاء والاختيار المدمّر الذي يفرّغ المقترح من معناه.
وأضاف: "إننا مدركون تماما للغرض من الرسائل المتضاربة من القادة الإسرائيليين، ولا سيما نتنياهو نفسه، التي تفيد بأن كل هذا مخطّط وبأن الهجوم سيتواصل تحت أي ظرف. ويتمثّل الهدف من هذه الرسائل في تخريب المبادرة التي أطلقتها الولايات المتحدة دون تحمّل اللوم على ذلك، وتقويض جهود مصر وقطر والمجتمع الدولي ككل. إن الطريقة الأفضل لإحباط أهداف نتنياهو ولإنقاذ الحياة البشرية إنما تكمن بالتوصل لوقف فوري لإطلاق النار".
وتابع: "لا غنى عن الوقف الفوري لإطلاق النار بالنسبة للجميع، ليس للفلسطينيين فحسب وذلك في المقام الأول لوقف القتل والتشويه الجماعييْن، والاعتقال التعسفي، والتدمير العشوائي، ولوقف التجويع الجماعي لشعبنا في غزة، الذين يواجه 96% منهم مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، بل وللإسرائيليين أيضا المحتجزين وعائلاتهم، ولمنطقتنا التي لا تقوى على تحمّل المزيد من التصعيد والتدمير ولإنسانيّتنا ولما تبقى من نظامنا الذي يستند إلى القانون الدولي"