تحولات الساحل الأفريقي.. صراع السيادة والعنف في ظل التحالفات الجديدة
تشهد منطقة الساحل الأفريقي أزمة أمنية متزايدة تهدد بتوسيع دائرة عدم الاستقرار في بقية أنحاء القارة، حيث تسعى دول مثل بوركينا فاسو والنيجر ومالي إلى التصدي لتمدد الجماعات المتطرفة، دون أن تحقق تقدمًا ملحوظًا في استعادة الأمن أو تحقيق الرخاء الاقتصادي.
عنف متصاعد وتمدد الجماعات المتطرفة
تشير التقارير إلى أن العنف المتطرف في المنطقة يزداد بشكل غير مسبوق، مع تصاعد الهجمات من جماعات مثل "نصرة الإسلام والمسلمين" و"تنظيم الدولة في الصحراء الكبرى". هذه الجماعات تواصل التوسع والسيطرة على المزيد من البلدات، خاصة في بوركينا فاسو التي باتت نموذجًا للتمدد المتطرف والعنف المستمر. في ظل هذه الأوضاع، فإن العديد من البلدات أصبحت محاصرة، ما أدى إلى نزوح جماعي للسكان.
كما تتعرض مالي وبنين إلى ضربات متزايدة من المتشددين، مما أضعف من قدرة الحكومات على تأمين الحدود وحماية السيادة الوطنية.
زيادة أعداد الضحايا
ووفقًا لـ مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية الأمريكي، ارتفعت أعداد الضحايا جراء التطرف في القارة بنسبة 20% في عام 2023 مقارنة بالعام 2022، حيث فقد 23322 شخصًا حياتهم في القارة. من بين هؤلاء، 99% من الضحايا كانوا في مناطق الساحل والصومال وحوض بحيرة تشاد.
الإحصائيات تظهر أن 11643 شخصًا لقوا حتفهم في منطقة الساحل وحدها في عام 2023، ما يمثل زيادة تقارب ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2020. هذه الأرقام تشير إلى ارتفاع قياسي في عنف الجماعات المتطرفة في المنطقة، وهي الزيادة الأكبر منذ ذروة نشاط بوكو حرام في عام 2015.
طريق مسدود للتعاون الإقليمي
فيما يتعلق بمحاولات التعاون الإقليمي، أكد تيام صاولي، المحلل السياسي النيجري، أن مساعي كونفدرالية الساحل قد وصلت إلى طريق مسدود. وأوضح في تصريحات صحفية أن الدول المعنية (بوركينا فاسو، مالي، النيجر) حاولت أن تكون أكثر استقلالية في شؤونها الاقتصادية والعسكرية، إلا أن الهجمات المستمرة من الجماعات المتطرفة جعلت الحكومات العسكرية الثلاث عاجزة عن فرض الاستقرار في بلدانها. وأضاف أن هذه الدول فقدت سيطرتها تدريجيًا على العديد من البلدات، مما جعلها تواجه تحديات غير مسبوقة في محاولة استعادة الأمن.
بحثًا عن حلفاء جدد
ومع تدهور الأوضاع الأمنية، تحولت الأولوية من حفظ السيادة إلى معركة من أجل البقاء، حيث بدأت بوركينا فاسو ومالي والنيجر في البحث عن حلفاء جدد للمساعدة في استعادة الاستقرار. وشهدت المنطقة مستويات نزوح مرتفعة وتدفقًا كبيرًا للاجئين نتيجة العنف المستمر، مما أضاف عبئًا على دول المنطقة التي تسعى بالفعل للتعامل مع الأزمة الأمنية.
تأسيس تحالف دول الساحل
في خطوة لتوحيد الجهود، قامت بوركينا فاسو ومالي والنيجر في سبتمبر 2023 بتشكيل تحالف دول الساحل، بعد فشل القوات العسكرية الغربية في فرض الأمن. جاء ذلك بعد انسحاب هذه الدول من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في وقت سابق من نفس العام. في إطار هذا التحالف، تم الإعلان عن تشكيل قوة دفاع مشتركة لمكافحة التطرف في المنطقة.
تحول الشراكات: من الغرب إلى الشرق
بموازاة هذه التحولات الأمنية، تشهد العلاقات الخارجية لهذه الدول تحولات كبيرة، إذ تراجع التعاون العسكري والاقتصادي مع فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية لصالح روسيا وتركيا. في هذا السياق، أعرب كاراموكو جان ماري تراوري، وزير خارجية بوركينا فاسو، في تصريحات له من موسكو، عن أن الشراكة مع روسيا تعد أكثر فائدة لبلاده مقارنة بالعلاقة التاريخية مع فرنسا. كما عبر عبد الله ديوب، وزير خارجية مالي، عن دعمه لعلاقة "صادقة" مع روسيا، معتبرًا أن هذه العلاقة لا تتسم بـ"الاستعمار الجديد" كما كان الحال مع القوى الغربية.
إن الأزمة الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي تشكل تهديدًا خطيرًا ليس فقط على هذه الدول الثلاث، ولكن على استقرار المنطقة ككل. في ظل تزايد الهجمات من الجماعات المتطرفة وتدهور الأوضاع الأمنية، يبدو أن التحالفات الجديدة مع القوى الكبرى مثل روسيا قد تفتح آفاقًا جديدة لهذه الدول في مسعى لفرض الاستقرار. لكن مع استمرار العنف والنزوح الجماعي، ستظل هذه الدول تواجه تحديات كبيرة لتحقيق الاستقرار والسيادة في أراضيها.