القصف الضوضائي.. سلاح جديد تستخدمه كوريا الشمالية ضد الجنوبية
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن استخدام كوريا الشمالية سلاحًا غير تقليدي ضد كوريا الجنوبية في إطار التصعيد المستمر بين البلدين. السلاح الجديد يتمثل في "القصف الضوضائي"، الذي لا يعتمد على القذائف أو الأسلحة التقليدية، بل على أصوات مزعجة ومتواصلة تُبث عبر مكبرات الصوت على طول الحدود بين البلدين، مما يتسبب في معاناة نفسية شديدة للمواطنين في المناطق الحدودية.
منذ يوليو 2024، بدأت كوريا الشمالية في استخدام مكبرات الصوت على الحدود لبث أصوات غريبة ومزعجة لفترات طويلة قد تصل إلى 24 ساعة يوميًا. هذه الأصوات تتنوع وتختلف في كل مرة، حيث وصفت بعض سكان القرى الجنوبية أنها تشبه صوت جرس عملاق يتم ضربه مرارًا، فيما وصف آخرون الأصوات بأنها تعود إلى عواء ذئاب أو صراخ أشباح كما لو كانوا في فيلم رعب. في بعض الأحيان، تكون الأصوات مشابهة لصوت مدفعية قادمة، أو حتى لصوت قرد غاضب يطرق على بيانو مكسور.
العديد من السكان في المناطق الحدودية، الذين يعيشون بالقرب من كوريا الشمالية، أطلقوا على هذا الهجوم اسم "القصف الضوضائي"، مشيرين إلى أنه يعد بمثابة ضغط مستمر لا يُحتمل. السيدة "آن مي هي" التي تعيش في إحدى القرى الحدودية قالت: "إنه قصف دون قذائف". وأضافت أنها تجد أن أسوأ ما في هذا الوضع هو أن أحدًا لا يعلم متى ستنتهي هذه الأصوات، وهل ستستمر في المستقبل أم لا.
الصحيفة أشارت إلى أن هذه الأصوات تأتي في وقت حساس للغاية، إذ أن العلاقات بين الكوريتين تشهد تدهورًا غير مسبوق في ظل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول. على مدى عقود من الزمن، كانت العلاقات بين الكوريتين تتأرجح بين فترات من التهدئة وفترات من التصعيد، ولكن الوضع اليوم يبدو أكثر تعقيدًا مما كان عليه في السابق. ففي ظل كيم جونج أون، انحرفت كوريا الشمالية عن مسار الدبلوماسية واتبعت سياسة أكثر تشددًا، حيث أغلقت قنوات الحوار مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وتوسعت في إجراء تجارب صاروخية متطورة.
من جهته، تبنى الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول سياسة أكثر تشددًا منذ توليه منصبه في عام 2022، حيث دعا إلى نشر أفكار الحرية في كوريا الشمالية من خلال اختراق التعتيم الإعلامي الذي يعتمد عليه كيم جونج أون في الحفاظ على حكمه الشمولي. كما كثفت كوريا الجنوبية تدريباتها العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة واليابان، وشملت هذه التدريبات نشر حاملات طائرات وقاذفات إستراتيجية وطائرات شبحية بهدف ردع كوريا الشمالية.
بالإضافة إلى ذلك، عززت كوريا الشمالية علاقاتها العسكرية مع روسيا هذا العام، حيث قدمت لها أسلحة للمساعدة في حربها ضد أوكرانيا، وأبرمت اتفاقية دفاع مشترك مع موسكو في حال تعرض أي من الدولتين لهجوم. هذه التوترات الإقليمية والأعمال العدائية المتزايدة تؤثر بشكل كبير على حياة السكان في المناطق الحدودية.
لكن "القصف الضوضائي" يمثل أداة جديدة غريبة من نوعها في هذا النزاع. فبينما كانت الكوريتان تستخدمان في الماضي أساليب أكثر تقليدية مثل نشر المنشورات الدعائية عبر مكبرات الصوت أو القذائف، فإن هذا الهجوم الصوتي لا يعتمد على أي أسلحة مادية، بل على بث أصوات مزعجة تؤثر على الحالة النفسية للسكان على مدار ساعات طويلة. ويبدو أن هذه الأصوات تشكل تهديدًا غير مرئي ولكن مؤثرًا، حيث أن السكان لا يعرفون متى ستنتهي هذه التجربة المؤلمة.
بالنظر إلى الوضع الراهن في شبه الجزيرة الكورية، فإن هذا التصعيد يشير إلى أن العلاقات بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية ستظل في حالة توتر مستمر في المستقبل القريب، مع استخدام أساليب غير تقليدية في الحروب النفسية والتأثير على المدنيين، مما يضيف مزيدًا من التعقيد إلى صراع عمره عقود.