التوغل الإسرائيلي في سوريا.. أهداف إستراتيجية وحسابات عسكرية معقدة
في خطوة مفاجئة ومثيرة للقلق، تقدمت الدبابات الإسرائيلية إلى مشارف العاصمة السورية دمشق، بعد سلسلة من الغارات الجوية المكثفة التي دمرت معظم القدرات الدفاعية للجيش السوري. هذا التحرك العسكري الإسرائيلي وصفه المراقبون بأنه خطوة إستراتيجية تتسم بالغموض وتفتح الباب أمام تساؤلات متعددة حول أهدافه وحدوده.
التوغل العسكري الإسرائيلي: سيطرة دون مقاومة
حسب مصادر محلية وأمنية، تمكن الجيش الإسرائيلي من السيطرة على عدد من القرى والبلدات في ريف دمشق الجنوبي مثل عرنة وبقعسم والريشة وحينة وقلعة جندل، ليصل إلى منطقة قطنا التي تقع على بُعد 10 كيلومترات فقط من العاصمة السورية. اللافت في هذا التوغل هو غياب أي مقاومة تذكر من الفصائل المسلحة المنتشرة في المنطقة، ما يطرح تساؤلات حول الأسباب وراء هذا الصمت المطبق من قبل تلك الفصائل.
الغياب المفاجئ للمقاومة: هل هو انشغال أم إستراتيجية؟
رغم الزحف الإسرائيلي باتجاه دمشق، لم تصدر الفصائل المسلحة أي رد فعل علني أو بيانات تندد بالتحرك الإسرائيلي. هذا الغياب الواضح يعكس حالة من الحذر، إذ يعتقد البعض أن الفصائل المسلحة، التي تعيش حالة من الصراع الداخلي على شرعيتها الدولية، قد اختارت تجنب التصعيد مع إسرائيل لتفادي أي رد فعل سلبي من القوى الكبرى، خصوصًا في ظل مساعيها لتقوية موقفها في الساحة الدولية.
وتشير بعض التحليلات إلى أن الفصائل السورية المسلحة، في الوقت الذي تتصدى فيه للوجود الإيراني في البلاد وتحاول تنظيم صفوفها، قد ترى أن التوتر مع إسرائيل في هذه المرحلة قد يشكل عبئًا إضافيًا عليها في محاولة للحصول على دعم دولي، وهو ما يفسر الصمت الذي تبديه تجاه تحركات الجيش الإسرائيلي.
إعادة تشكيل ميزان القوى: إسرائيل وأهدافها الإستراتيجية
في نظر المراقبين، يسعى الجيش الإسرائيلي عبر هذا التحرك إلى تحقيق عدة أهداف إستراتيجية في سوريا. أولها هو تدمير القدرات العسكرية السورية، وهو ما تجسد في الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت أكثر من 300 موقع عسكري، مما أسفر عن تدمير العديد من منشآت الدفاع الجوي والمخازن الصاروخية السورية. وهذا فتح المجال أمام التحرك البري الإسرائيلي بحرية كاملة ودون مواجهة تهديد حقيقي من القوات السورية.
كذلك، تسعى إسرائيل إلى إضعاف الفصائل المسلحة في سوريا ومنع وصول الأسلحة الثقيلة إليها، وهي خطوة ضرورية من أجل تجنب تحول هذه الفصائل إلى تهديد محتمل على الأمن الإسرائيلي في المستقبل. وفي هذا السياق، ترى بعض التحليلات أن إسرائيل ترغب في ضمان عدم تكوين أي قوات عسكرية في المناطق الحدودية مع سوريا، تكون قادرة على التسلح بأسلحة متطورة قد تضر بمصالحها الأمنية.
أما الهدف الآخر الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه في هذا التوغل فهو فرض "أمر واقع جغرافي" في المناطق التي تحتلها، خاصة في منطقة جبل الشيخ ومحيط القنيطرة. من خلال هذه السيطرة العسكرية، تسعى إسرائيل إلى توسيع نطاق المنطقة العازلة التي تمتد على الحدود السورية، بهدف تأمين عمق أمني إضافي يحميها من أي تهديدات قد تأتي من الأراضي السورية.
الدعم الأمريكي: الضوء الأخضر لصالح إسرائيل
في خطوة تعكس التأييد الضمني للتحرك الإسرائيلي، ذكرت بعض التقارير أن إسرائيل قد أبلغت الولايات المتحدة مسبقًا بخططها العسكرية في سوريا، وأنه لم يتم توجيه أي اعتراض من الجانب الأمريكي. هذا الصمت الأمريكي يمكن تفسيره في إطار السياسات الأمريكية الحالية التي تهدف إلى إعادة ترتيب الوضع في سوريا بعد انهيار نظام الأسد. وفي ظل انشغال الإدارة الأمريكية بترتيب الوضع في سوريا، يمكن أن يكون هذا التحرك الإسرائيلي بمثابة رسالة أمريكية غير مباشرة للنظام الجديد في دمشق حول الدور المهم الذي تلعبه إسرائيل في صياغة مستقبل سوريا.
إسرائيل: فاعل رئيسي في مستقبل سوريا
يبدو أن إسرائيل تسعى، عبر هذا التوغل، إلى التأكيد على دورها الرئيسي في تحديد معالم مستقبل سوريا. فالتوغل العسكري في هذا التوقيت يشكل رسالة واضحة للنظام الجديد في سوريا بأن إسرائيل لن تسمح بظهور تهديدات جديدة على حدودها، كما يفتح الباب أمام احتمالات محادثات سلام مع القيادة السورية الجديدة.
ويرى الخبراء أن إسرائيل لا تسعى بالضرورة إلى اقتحام العاصمة السورية، ولكنها تحاول بسط سيطرتها على الأراضي المحاذية للحدود السورية بما يسهل التفاوض في المستقبل. في الوقت نفسه، يسعى الجيش الإسرائيلي إلى تحسين مواقعها الأمنية في مناطق كان النظام السوري يسيطر عليها سابقًا، وهو ما سيسهم في زيادة عمقها الاستراتيجي في المنطقة.
الاستفادة من غياب ردود فعل دولية حاسمة
في ظل انشغال المجتمع الدولي بمساعي التفاوض مع النظام السوري الجديد ومحاولة ترتيب الوضع السياسي في سوريا بعد سقوط الأسد، يبدو أن إسرائيل تستغل الفرصة لتعزيز مواقعها العسكرية في سوريا دون مواجهة أي ردود فعل دولية قوية. وفي ظل غياب أي تحرك حاسم من القوى الكبرى في العالم العربي أو الدول الغربية، يُحتمل أن يواصل الجيش الإسرائيلي تنفيذ أهدافه على الأرض، مستغلاً اللحظة الراهنة لتعزيز موقفه في التفاوض على مستقبل سوريا.
التحرك الإسرائيلي في سوريا يعكس سياسة عسكرية متجددة تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض. ورغم غياب أي مقاومة تذكر من الفصائل المسلحة، يُلاحظ أن هذا التوغل يحمل في طياته أهدافًا إستراتيجية تتجاوز مجرد الوجود العسكري في الأراضي السورية، بل قد يمتد ليشمل إعادة تشكيل التوازنات العسكرية والسياسية في المنطقة. وفيما يتواصل هذا التحرك، ستظل الأسئلة حول أهدافه الحقيقية وحدوده قائمة، في ظل الصمت المطبق من مختلف الأطراف المعنية.