الجولاني يغير وجهه.. من زعيم التنظيمات المتطرفة إلى قائد المعارضة الجديدة
في محاولة لتغيير الصورة النمطية التي ارتبطت به طيلة سنوات طويلة جراء انتمائه للتنظيمات المتطرفة، قاد أحمد حسين الشرع، المعروف سابقًا باسم "أبو محمد الجولاني"، المعارضة السورية المسلحة في مسعى لإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد. هذا التحول جاء بعد سنوات من التنقل بين العديد من الجماعات والانشقاق عنها، محاولًا اتخاذ خطاب مغاير عن الخطاب الذي كان يتبناه في الماضي.
ولد أحمد حسين الشرع في عام 1982 في حي المزة بدمشق لعائلة ميسورة، وبدأ دراسة الطب، إلا أنه لم يكمل دراسته. وكان قد تبنى اسم "أبو محمد الجولاني" نسبة إلى أصول عائلته من مرتفعات الجولان التي اضطر جده للنزوح عنها بعد احتلال إسرائيل لأجزاء من الهضبة في عام 1967.
بدأت ميوله المتطرفة تظهر بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث بدأ بحضور خطب دينية واجتماعات سرية في ضواحي دمشق. مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، انضم إلى تنظيم القاعدة بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، قبل أن يُسجن لخمسة سنوات. ومع اندلاع الحراك ضد الأسد في عام 2011، عاد إلى سوريا ليؤسس "جبهة النصرة"، التي تحولت لاحقًا إلى "هيئة تحرير الشام".
رفض الجولاني في 2013 التحالف مع أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش، مفضلاً الوقوف إلى جانب زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. وكان هذا الموقف جزءًا من مساعيه لتوسيع نفوذه في سوريا.
منذ عام 2015، بدأ الجولاني في تبني خطاب سياسي جديد، حيث أعلن أنه لا يخطط لشن هجمات ضد الغرب، على عكس داعش أو القاعدة. وفي عام 2016، انفصل عن تنظيم القاعدة، في خطوة وصفها بأنها تهدف لإزالة الذرائع التي قد يستخدمها المجتمع الدولي لمهاجمته. ثم أسس "هيئة تحرير الشام" في 2017، وعمل على توحيد الفصائل المسلحة في شمال سوريا تحت رايتها.
كما بدأ الجولاني بتقديم نفسه بشكل جديد، محاولًا الظهور بشكل أكثر اعتدالًا، حيث تخلى عن ملامح متشددة كان يلتزم بها مثل العمامة البيضاء، وارتدى في بعض الأحيان زيًا عسكريًا أو مدنيًا. وفي مؤشر آخر على سعيه لتغيير صورته، بدأ مؤخرًا باستخدام اسمه الحقيقي "أحمد الشرع" بدلاً من اسمه الحركي.
من جانب آخر، بعد الهجوم الأخير للمعارضة المسلحة ضد القوات الحكومية في نوفمبر 2024، حرص الجولاني على تقديم رسائل تطمين للأقليات في المناطق التي يسيطر عليها، مؤكدًا على ضرورة حماية المسيحيين في حلب. كما التقى بمجموعة من القيادات المحلية هناك لإعطاء تطمينات إضافية.
وفي بيان نشرته المعارضة السورية المسلحة، أعلنت عن "إسقاط" نظام الأسد، حيث تم بث أول بيان لها عبر التلفزيون السوري الرسمي من داخل استوديو الأخبار. كما تضمن البيان دعوة للمسلحين والأهالي للحفاظ على المؤسسات العامة في دمشق، التي أسندت إدارتها إلى رئيس الحكومة السورية السابق محمد غازي الجلالي.
الجولاني، الذي يرى خصومه أنه براغماتي، أرسل رسالة واضحة في بيانه الذي أصدره عبر "تيلغرام"، مؤكدًا على عدم الاقتراب من المؤسسات العامة وتوجيه تعليمات صارمة لجنوده في العاصمة دمشق. هذه التصريحات تظهر سعيه المستمر لإعادة تشكيل صورته السياسية، وهو ما يضعه في موقع جديد بعيدًا عن الماضي المتطرف الذي ارتبط به لسنوات.