صدام بين فرنسا وألمانيا حول خطة تسليح الاتحاد الأوروبي

تصاعدت الخلافات بين فرنسا وألمانيا حول مستقبل إعادة تسليح الاتحاد الأوروبي، في ظل مساعٍ لتعزيز القدرات الدفاعية الأوروبية عقب تهديدات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بإنهاء الحماية الأمريكية للحلفاء الأوروبيين. وفي هذا السياق، قدمت المفوضية الأوروبية مقترحًا بضخ 150 مليار يورو لدعم الصناعات العسكرية، إلا أن التفاصيل المتعلقة بآلية توزيع هذه الأموال تثير خلافات جوهرية بين برلين وباريس، حيث تختلف وجهات النظر بشأن إمكانية توجيه التمويل إلى منتجات غير أوروبية.
خلاف حول الإنفاق الدفاعي
خلال قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة، دعا المستشار الألماني أولاف شولتز إلى فتح الباب أمام الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مثل بريطانيا، النرويج، سويسرا، وتركيا، للاستفادة من هذه المبادرة، معتبرًا أن التعاون مع الحلفاء الخارجيين أمر ضروري لتعزيز الأمن الأوروبي.
في المقابل، تبنى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موقفًا متشددًا، مشددًا على ضرورة توجيه الإنفاق إلى المنتجات الأوروبية فقط، بهدف تعزيز استقلالية الصناعات الدفاعية داخل التكتل. واعتبر أن الأولوية يجب أن تكون لدعم الشركات الأوروبية الرائدة في المجالات الدفاعية، مثل أنظمة الدفاع الجوي، الضربات بعيدة المدى، والاستخبارات العسكرية.
هذا التباين بين باريس وبرلين يعكس رؤيتين مختلفتين لمستقبل الدفاع الأوروبي، حيث تسعى ألمانيا إلى نهج تعاوني أكثر انفتاحًا، بينما تدفع فرنسا باتجاه تحقيق استقلال دفاعي ذاتي، بعيدًا عن الاعتماد على الخارج.
معضلة التمويل
يثير الخلاف الفرنسي-الألماني مخاوف داخل الاتحاد الأوروبي من أن يواجه مشروع الـ 150 مليار يورو نفس العقبات التي عرقلت سابقًا برنامج صناعة الدفاع الأوروبية، وهو صندوق دفاعي بقيمة 1.5 مليار يورو شهد تأخيرات بسبب مطالب فرنسية بوضع قيود على المكونات المصنعة خارج التكتل.
ولتفادي انهيار المبادرة، تعمل المفوضية الأوروبية على التنسيق بين باريس وبرلين والعواصم الأوروبية الأخرى لضمان تمرير المشروع دون عراقيل، خاصة أن الحكومة البولندية، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد، تواجه ضغوطًا للتوصل إلى اتفاق سريع.
تصاعد الدعم الشعبي والسياسي
بالتوازي مع هذه النقاشات، أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "إيبسوس" أن 68% من الفرنسيين يؤيدون زيادة ميزانية الدفاع، حتى لو أدى ذلك إلى ارتفاع العجز العام، مما يعكس تحولًا في الأولويات الأوروبية مع استمرار الحرب في أوكرانيا.
وفي هذا السياق، أكد وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو على التزام فرنسا بزيادة إنفاقها الدفاعي، مشيرًا إلى أن رفع الميزانية بمقدار 100 مليار يورو سنويًا سيكون خطوة ضرورية لتعزيز قدرات الجيش الفرنسي. كما أشار إلى خطط لتقديم مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا، تشمل مركبات مدرعة متطورة، في خطوة تؤكد استمرار الدعم الفرنسي لكييف.
مقترح جديد لتعزيز الردع الأوروبي
وسط هذه التطورات، برز مقترح فرنسي جديد لبحث إمكانية توسيع المظلة النووية الفرنسية لتشمل الحلفاء الأوروبيين، في ظل تصاعد المخاوف من تغير السياسة الأمريكية تجاه أوروبا. وأعرب ماكرون عن انفتاحه لمناقشة هذا الخيار، معتبرًا أن الردع النووي الفرنسي قد يكون عنصرًا أساسيًا في تعزيز الأمن الأوروبي، رغم تأكيده أن القرار النهائي بشأن الأسلحة النووية سيبقى بيد باريس.