اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

تفاصيل المبادرة المصرية الجديدة لوقف الجرائم الإسرائيلية في غزة

في تطور يحمل بصيص أمل وسط التصعيد المتواصل في قطاع غزة، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية عن طرح القاهرة مقترحاً معدلاً لإعادة إطلاق المفاوضات المتعثرة بين إسرائيل وحركة "حماس"، بما يفتح المجال أمام هدنة مؤقتة قد تمتد بين 40 و70 يوماً، مقابل إطلاق عدد محدود من الرهائن.

مبادرة مصرية جديدة

بحسب المصدر المصري، فإن التعديلات التي أجرتها القاهرة على المقترحات السابقة جاءت بعد جولات مكوكية مع الأطراف المعنية، وتهدف إلى التقريب بين السقوف المتباعدة لمطالب كل من إسرائيل وحماس. فبينما كانت الأخيرة تصر على إطلاق رهينتين فقط مقابل هدنة لمدة 50 يوماً، تصر إسرائيل على تحرير ما لا يقل عن نصف عدد الرهائن الموجودين لدى "حماس".

المبادرة المعدلة تقترح "إطلاق نحو 8 رهائن أحياء" كمقدمة لوقف إطلاق نار طويل نسبياً، وهي خطوة تهدف إلى اختبار النوايا وبناء الثقة المتبادلة. كما يُفهم من الطرح المصري أنه يسعى لتقديم حل عملي وسط بيئة سياسية وأمنية معقدة، مع إدراك تام لحساسية ملف الأسرى بالنسبة للطرفين.

الدور المصري.. وساطة صلبة في لحظة حرجة

تاريخياً، لعبت مصر دور الوسيط المركزي في النزاعات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، لكن الأزمة الحالية تضع الوساطة المصرية أمام تحديات استثنائية. إذ يتقاطع فيها البعد الإنساني الكارثي في قطاع غزة مع الحسابات السياسية الإسرائيلية، والانقسامات الداخلية الفلسطينية، والتوازنات الإقليمية والدولية التي تغيّرت كثيراً منذ جولات التهدئة السابقة.

القاهرة في مقترحها الأخير لم تكتفِ بعرض صيغة تفاوضية، بل تبنّت خطاباً واضحاً في قمة ثلاثية جمعت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، حيث أكد القادة الثلاثة أن "السلطة الفلسطينية الممكّنة" يجب أن تكون الجهة الوحيدة التي تدير قطاع غزة بعد الحرب، في رسالة سياسية واضحة موجهة إلى كل من حماس وإسرائيل.

السلطة الفلسطينية في قلب الصراع على الشرعية

الإشارة إلى "السلطة الممكّنة" تحمل في طياتها دعوة لإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية على أساس موحد، لكنها أيضاً تعكس رفضاً ضمنياً لاستمرار سيطرة حماس على غزة. وهي رؤية تتلاقى مع التوجه الأوروبي والأميركي، لكنها تصطدم بالواقع الفعلي على الأرض حيث ما تزال "حماس" الفاعل العسكري والسياسي الأبرز في القطاع، على الرغم من الضربات الإسرائيلية المكثفة.

تحولات إسرائيلية.. تراجع تكتيكي أم إعادة تموضع؟

في تطور لافت، تراجع الجيش الإسرائيلي عن مطالبة حكومته بالسماح بإدخال مساعدات إنسانية عاجلة لغزة، وذلك خشية مخالفة القانون الدولي في ظل تفاقم الأوضاع الإنسانية. هذا التراجع يكشف عن تناقضات داخل المنظومة الإسرائيلية، بين المستوى العسكري الذي يعي تكلفة الضغوط الدولية، والمستوى السياسي الذي يخضع لضغوط داخلية يمينية تطالب بتصعيد أكبر.

ويُقرأ هذا التراجع في سياق أوسع من الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية، حيث يواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ضغوطاً متزايدة من أسر الرهائن والرأي العام، بينما يحاول الحفاظ على تماسك ائتلافه الحاكم الذي يرفض تقديم تنازلات لحماس.

بين الممكن والمستحيل

المبادرة المصرية الجديدة تعيد طرح مسار التهدئة كخيار واقعي في ظل غياب أي حل عسكري حاسم. لكنها تظل محاطة بجملة من التحديات:

أولاً: هشاشة الثقة بين الأطراف، وصعوبة تنفيذ أي اتفاق في ظل غياب ضمانات واضحة.

ثانياً: الرفض الإسرائيلي المتكرر لأي ترتيبات تعيد حماس إلى المشهد، في مقابل تمسك الحركة بموقعها كقوة مقاومة.

ثالثاً: تعقيدات ملف ما بعد الحرب، خاصةً في ما يتعلق بإدارة غزة، وإعادة الإعمار، وضمانات عدم العودة إلى دوامة العنف.

المقترح المصري الأخير يمثل محاولة جادة لإعادة خيوط التفاوض في لحظة حرجة، لكنه يسلط الضوء على معضلة أكبر تتجاوز الرهائن والهدنة، لتصل إلى جوهر الصراع حول من يحكم غزة، وكيف تُدار القضية الفلسطينية في ظل استقطاب داخلي وتغير إقليمي ودولي.

في هذا السياق، تبقى التهدئة ممكنة، ولكن الحل الشامل ما زال بعيد المنال، ويحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية تتجاوز الحسابات الآنية إلى مشروع متكامل لإعادة بناء الثقة والشرعية الفلسطينية، وضبط حدود القوة الإسرائيلية، وتفعيل الدور العربي كضامن لا مجرد وسيط.