عرض عسكري في عيد ميلاد ترمب؟ جدل بين البيت الأبيض وواشنطن حول التكلفة والدلالات

عادت إلى الواجهة مجدداً فكرة إقامة عرض عسكري ضخم في العاصمة الأميركية، تزامناً مع عيد ميلاد الرئيس السابق دونالد ترمب في 14 يونيو، وهو أيضاً ذكرى تأسيس الجيش الأميركي. الفكرة، وإن نفتها إدارة بايدن رسمياً حتى الآن، أثارت جدلاً سياسياً واسعاً وتبايناً في المواقف بين السلطات الفيدرالية والمحلية، بما يعكس تعقيدات العلاقة بين رمزية القوة العسكرية وكلفة الواقع السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة اليوم.
البيت الأبيض ينفي.. ولكن الإشارات مستمرة
رغم نفي البيت الأبيض عبر تصريح رسمي نيته تنظيم عرض عسكري في يونيو المقبل، إلا أن مسؤولي العاصمة واشنطن ومقاطعة أرلينغتون أكدوا تلقيهم اتصالات من الإدارة الأميركية بشأن ترتيبات أمنية لاحتفال "قد يتضمن عرضاً عسكرياً". وأشارت عمدة واشنطن مورييل باوزر إلى أن العرض المزمع قد يمتد من مبنى البنتاغون إلى البيت الأبيض، وهو ما يعيد إلى الأذهان محاولة سابقة مشابهة خلال ولاية ترمب الأولى عام 2018.
دبابات على الإسفلت.. وكلفة باهظة
تعترض باوزر بشدة على فكرة استخدام المعدات العسكرية الثقيلة في شوارع العاصمة، مشيرة إلى أن هذا قد يتسبب في أضرار للبنية التحتية قد تتجاوز ملايين الدولارات، وهو هاجس يعود إلى محاولة ترمب الأولى إقامة عرض مشابه في 2018، والتي أُلغيت بسبب الجدل حول التكاليف.
كما أكد رئيس مجلس مقاطعة أرلينغتون، تاكيس كارانتونيس، أن العرض - إن تم - يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية الراهنة، وخاصةً بعد موجة تخفيضات في القوة العاملة الفيدرالية أثّرت على العديد من سكان المنطقة، بمن فيهم عسكريون ومحاربون قدامى.
رمزية العرض العسكري
تعود جذور الفكرة إلى صيف 2017 عندما حضر ترمب احتفالات يوم الباستيل في باريس برفقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأبدى إعجابه الشديد بالعرض العسكري هناك. وقال حينها: "علينا أن نحاول التفوق عليهم"، في إشارة إلى استعراض القوة الفرنسية.
غير أن ردود الفعل داخل الكونغرس الأميركي على تلك الفكرة كانت باردة، بل ورافضة. فقد وصف السيناتور الجمهوري جون كينيدي العرض بأنه "تعبير عن انعدام ثقة بالنفس"، فيما رأت السيناتورة الديمقراطية تامي داكوورث، وهي محاربة سابقة، أن الفكرة تبتعد عن القيم الأميركية وتقترب من الاستعراضات السلطوية.
بين استعراض الهيبة وتكلفة الرمز
الجدل الحالي لا يتعلق فقط بـ "عرض" أو "مناسبة"، بل يعكس تبايناً عميقاً في نظرة واشنطن إلى دور الجيش في الحياة العامة، وحدود استخدام الرمزية العسكرية في المناسبات السياسية.
ففي حين يرى البعض أن استعراض القوة يعزز من مكانة الجيش الأميركي ويكرم جنوده، يرى آخرون أن هذا النوع من العروض يتنافى مع التقاليد الديمقراطية الأميركية، خصوصاً إذا ارتبط باسم شخصية خلافية مثل دونالد ترمب، الذي ما زال يُعد رقماً صعباً في السياسة الأميركية، رغم خروجه من البيت الأبيض.
عرض أم استعراض؟
سواء تم تنفيذ العرض العسكري أو لا، فإن مجرد الحديث عنه أعاد طرح تساؤلات حول مدى ملاءمة استخدام القوة الرمزية في المشهد السياسي الداخلي، في وقت تواجه فيه واشنطن تحديات اقتصادية، وانقسامات اجتماعية، وانتقادات حول الإنفاق الحكومي.
المعضلة لا تكمن فقط في دبابات قد تُتلف الشوارع، بل في ما تمثله هذه الدبابات من رسالة. هل هي احتفاء بالجيش؟ أم محاولة لإعادة إنتاج صورة الزعيم القوي على غرار ما شاهد ترمب في شوارع باريس؟
وفي كل الأحوال، يبدو أن الجدل حول العرض العسكري بات هو الحدث الأهم، حتى قبل أن تنطلق صافرة البداية.