اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

أزمة مياه نهر السن.. تهديد وجودي لباكستان وصدام دبلوماسي متصاعد مع الهند

نهر السند
نهر السند

تشهد باكستان حالة من الذعر العارم بعد التصعيد الهندي الأخير الذي يهدد بقطع إمدادات المياه الحيوية القادمة من نهر السند، في أعقاب هجوم مسلح دامٍ في كشمير تتهم نيودلهي إسلام آباد بالضلوع فيه.

في منطقة لطيف آباد بإقليم السند الباكستاني، يقف المزارع هوملا ثاخور وسط حقوله الجافة قلقًا على مصير محاصيله ومصدر رزقه، رغم أن النهر يجري قريبًا منه، لكنه يراقب بعين القلق الانخفاض الحاد في منسوب المياه، وسط حرارة لافحة وموسم مطير شحيح.

نهر السند، الذي ينبع من التبت ويمر عبر الهند قبل أن يصل إلى باكستان، يُعد شريان حياة أساسيًا لما يقارب 80% من الأراضي الزراعية الباكستانية. لكن الوضع تغير جذريًا مع إعلان الهند تعليق التزامها بـ"معاهدة مياه نهر السند" الموقعة عام 1960 بوساطة البنك الدولي، والتي نظمت منذ عقود حقوق الدولتين النوويتين في استغلال مياه النهر.

لأول مرة منذ توقيع المعاهدة، صرحت الهند رسميًا أنها ستوقف التزامها بتبادل البيانات المائية مع باكستان، وستبدأ خلال أشهر بتحويل المياه إلى أراضيها الزراعية، مما سيضع باكستان في مواجهة خطر جفاف مدمر واضطرابات بيئية واقتصادية خطيرة.

أبعاد سياسية وأمني

الهجوم الأخير الذي استهدف سياحًا في كشمير وأدى إلى مقتل 26 شخصًا، كان الشرارة المباشرة للأزمة. فقد حملت الهند باكستان مسؤولية دعم "الإرهاب العابر للحدود"، فيما تنفي إسلام آباد ذلك بشدة، محذرة من أن أي محاولة لوقف تدفق المياه ستُعد "عملًا حربيًا".

يبدو أن الهند تسعى لاستخدام سلاح المياه كورقة ضغط استراتيجية جديدة، وهو تطور خطير، إذ أن المعاهدة لطالما اعتُبرت أحد أهم عوامل الاستقرار النسبي بين الخصمين النوويين.

التداعيات الفنية

وفقًا للخبراء، لا تملك الهند القدرة التقنية على قطع المياه بشكل فوري بسبب القيود الهندسية للمنشآت المائية الحالية، خصوصًا فيما يتعلق بالسدود الكبرى التي تحتاج إلى سنوات لإنجازها. ومع ذلك، فإن إيقاف تبادل المعلومات المائية (مثل بيانات تدفقات الأنهار ومواعيد الفيضانات) سيضعف قدرة باكستان على التخطيط الزراعي والاستجابة للكوارث الطبيعية، مما يجعلها أكثر عرضة للفيضانات المفاجئة أو موجات الجفاف القاتلة.

الأثر الاقتصادي والبيئي

يرى خبراء الاقتصاد أن نقص المياه لن يؤثر فقط على الزراعة، بل سيمتد أيضًا إلى توليد الكهرباء عبر محطات الطاقة الكهرومائية، مما قد يسبب شللاً في الاقتصاد الباكستاني الذي يعتمد بشكل رئيسي على الزراعة.
وحذّر وقار أحمد، الخبير الاقتصادي بشركة "أوكسفورد بوليسي مانجمنت"، من أن باكستان لم تستعد بالشكل الكافي لهذا التهديد، وأن عليها أن تستغل الفترة المتاحة الآن لتحسين كفاءة إدارة مواردها المائية.

المشهد القانوني والدبلوماسي

من الناحية القانونية، ما تزال الهند مقيدة جزئيًا ببنود المعاهدة، التي تمنحها الحق في استخدام الأنهار الشرقية (سوتليج، وبيس، ورافي)، بينما تمنح باكستان السيطرة على الأنهار الغربية (السند، وجهيلوم، وشيناب). لكن مع التحولات الإقليمية والدولية، تسعى نيودلهي إلى إعادة تفسير المعاهدة لصالحها، مستغلة تغير الظروف الديمغرافية والحاجة الملحة للطاقة النظيفة.

وقد صرح البنك الدولي، الذي كان ضامنًا للمعاهدة، أنه ليست له سلطة التدخل في القرارات السيادية للدول الأعضاء، مما يزيد من تعقيد المشهد ويفتح الباب أمام مواجهات قانونية أو حتى عسكرية في حال تفاقم الأزمة.

مخاوف شعبية

المزارعون مثل نديم شاه، الذي يملك 150 فدانًا في السند، يعيشون حالة من الترقب والخوف ليس فقط على محاصيلهم، بل أيضًا على مياه الشرب اللازمة لملايين السكان، في ظل بلد يبلغ تعداده أكثر من 240 مليون نسمة.

تهديد الهند بقطع مياه نهر السند لا يمثل مجرد تصعيد سياسي، بل يهدد بتحويل واحدة من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان في العالم إلى ساحة كارثة إنسانية.
ويبقى السؤال المطروح: هل ستنجح باكستان في احتواء الأزمة عبر الوسائل الدبلوماسية، أم أن النهر سيتحول إلى وقود لمواجهة أشمل بين الجارتين النوويتين؟.

موضوعات متعلقة