صرخة ليبية.. وقفة احتجاجية تطالب بالإصلاح ووقف الفساد في ظل تحديات اقتصادية متزايدة
في ليبيا، تتصاعد الأصوات وتتنامى الغضب في وقت يعاني فيه المواطنون من تحديات اقتصادية متزايدة. فمساء اليوم الأحد، شهدت العاصمة طرابلس وقفة احتجاجية نظمها تجمع "التغيير والإصلاح"، حيث جاءت الهتافات مطالبة بوقف إهدار المال العام وتطالب بإصلاحات جذرية لمواجهة الفساد وتحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية.
شهدت ليبيا مساء اليوم الأحد، وقفة احتجاجية نظَّمها تجمع «التغيير والإصلاح» في العاصمة طرابلس.
ونظم التجمع وقفته في ميدان الجزائر، للمطالبة بوقف إهدار المال العام من قبل ما سماه بـ«حكم العائلات وتحالفاتها» في الشرق والغرب، ودعا كذلك إلى وقف «العقود الفاسدة التي تسهم في تدمير مقدرات الدولة الليبية وطبع العملة المزورة وانهيار المنظومة الاقتصادية».
وردد المشاركون في الوقفة هتافات منددة بالفساد وإهدار المال العام ورفعوا لافتات كتب عليها «نعم للدولة المدنية لا للشخصيات الجدلية»، «لن يقوم بلد شعبها يستكين للظلم ويخشى مواجهة الفساد»، «ارحلوا جميعا».
تشهد ليبيا تحديات اقتصادية مختلفة تضع المواطنين في مواجهة صعوبات تتجاوز حدود الاعتياد.
حيث يعيش الليبيون فترة مليئة بالتحديات والقلق، في وقت تتصاعد فيه المشاكل المالية وتتجلى تأثيراتها بشكل واضح على حياتهم اليومية.
أحد أبرز تلك التحديات تكمن في تأخر صرف الرواتب، حيث يعيش عديد من الموظفين تحت وطأة هذه المشكلة التي تؤثر بشكل مباشر على قدرتهم الشرائية.
تأثيرات هذا التأخير تتسارع مع اقتراب شهر رمضان، مما يجعل الأوضاع المالية أكثر حساسية ويضع المواطنين في موقف صعب لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
على صعيد آخر، يظهر سعر صرف العملة المحلية انخفاضًا متسارعًا، مما يعزز مشكلة نقص السيولة في السوق. هذا التدهور في الوضع الاقتصادي يؤدي إلى تقليل قدرة المواطنين على الوصول إلى الأموال النقدية ويعزز التحديات المالية التي يواجهونها.
وعلى الرغم من توقعات البنك الدولي في مطلع العام 2023 والتي أبدت نبرة أقرب إلى التفاؤل حول إمكانية التعافي الجزئي للاقتصاد الليبي من العوائق التي مر بها منذ عقد كامل، أسهمت الفيضانات الأخيرة التي شهدتها البلاد في نهاية سبتمبر في تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد والضغط بصورة أكبر على موارد الدولة.
وتدفع معدلات التضخم في اتجاه الصعود تشهد السوق الليبية ارتفاعات في أسعار المواد الغذائية الأساسية على وجه الخصوص، وهو أمر يضع ثقلاً إضافياً على أكتاف الليبيين. ويأتي هذا الارتفاع في ظل تقلبات الأسواق العالمية وضعف العملة المحلية، مما يجعل تحمل تكاليف الحياة أمرًا صعبًا للغاية.
وفي بلد انخفض فيه نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة 50 بالمئة بين عامي 2011 و2020، في حين كان من الممكن أن يرتفع بنسبة 68% لو واصل الاقتصاد السير في اتجاهه قبل اندلاع الصراع، تظل الاضطرابات السياسية والأمنية عائقاً رئيسياً يلقي بظلاله على جميع أوجه الحياة، ويحرم الليبيين من استثمار ثروات بلادهم، ويضفي مزيداً من التأزيم.
الوضع الاقتصادي
يقول الخبير الليبي المتخصص في الشؤون الاقتصادية، محمد الحمروني، إنه في ظل الوضع الاقتصادي الحالي في ليبيا، يشهد الشعب الليبي تحديات كبيرة منها:
ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الدقيق والزيت والسكر، ما يجعل الحياة صعبة على المواطنين.
ارتفاع أسعار المحروقات يؤثر على التنقل والحياة اليومية.
زيادة الاستهلاك والتضخم يؤثران على القوة الشرائية للدينار الليبي.
وكانت الحكومة الليبية قد أعلنت اعتماد قانون الرواتب الموحد، في نوفمبر 2022، إلا أن ذلك لم ينعكس على الموظفين في الدولة.
ويشير الحمروني إلى أن التأخر المتكرر لصرف المرتبات يزيد من الضغط على الأسر، هذا إلى جانب نقص السيولة النقدية في المصارف التجارية ونقص المحروقات في أغلب المدن الغربية والجنوبية مما يتسبب في انعدام شبه كلي للسيولة النقدية يؤثر على القدرة على الشراء.
وتطرق الصلح إلى أن ميزان المدفوعات ما زال يشهد بعض التحديات بسبب ملف دعم المحروقات، وقال: "أتوقع أن حكومة الوحدة الوطنية ستخرج بعديد من النتائج لاستبدال الدعم حيث تبلغ فاتورة الدعم الحكومي للمحروقات ما يقرب من 74 مليار دينار ليبي".
ويشير البنك الدولي إلى أنه على الرغم من التحديات العديدة التي تواجه ليبيا، يمكن أن يتحقق تعافي اقتصادها من خلال الاستفادة من موارد ليبيا المالية الكبيرة، بالبناء على أربعة ركائز:
• أولاً: التوصل إلى اتفاق سياسي مستدام بشأن مستقبل ليبيا.
• ثانياً: إعداد رؤية مشتركة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية تستند إلى أدلة، وتُترجم إلى موازنة مالية وطنية للحفاظ على البنية التحتية الحيوية، وبناء رأس المال البشري.
• ثالثاً: وضع نظام لإدارة المالية العامة يتسم بالمساءلة والشفافية واللامركزية، ويضمن التقاسم الملائم للثروة النفطية والتحويلات المالية الحكومية، فضلاً عن تخطيط الموازنة وتنفيذها، ورفع التقارير بشأنها على نحو فعال.
• رابعاً: إصلاح شامل للسياسة الاجتماعية لخلق تمييز واضح بين التحويلات الاجتماعية إلى المحتاجين، وبين الأجور العامة.
يعد مشروع الحوار الاقتصادي الاجتماعي الليبي من بين المشاريع التي تنفذها وتديرها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، والممول من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون الاقتصادي والتنمية، عبر الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ). يهدف المشروع إلى توفير منبر لليبيين من أجل إعداد رؤية مستقبلية اقتصادية واجتماعية وحوكمة عامه ليبية ومناقشتها وصياغتها من أجل المساهمة في تحقيق الاستقرار والتنمية في ليبيا. يستند المنبر الحواري في مناقشاته على أبحاث علمية رصينة وأدلة مستخلصة من المرحلة البحثية الأولية والمعيارية من المشروع والتي تقوم على إعداد ثلاث دراسات علمية أساسية في مجالات الاقتصاد والمجتمع والحوكمة العامة في ليبيا.
وسيستفيد البحث من خبرات "الإسكوا" ودعمها التنظيمي، بجانب خبرة مجموعة واسعة من الخبراء الليبيين والشركاء والمتعاونين الإقليميين.