التحديات الاقتصادية في السودان.. تأثير الصراع المسلح على النمو الاقتصادي والاستقرار المالي
تحولت النزاعات المستمرة في السودان على مدى عامٍ من الآن إلى مصدر لأزمات شاملة تمتد إلى كافة جوانب الحياة، سواء على الصعيد الإنساني أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
الحرب في السودان تركت آثارًا وخسائرًا كبيرة على الاقتصاد بشكل عام، ومن المحتمل أن تتواصل هذه الآثار لسنوات قادمة، خاصة مع تحديات استعادة الاقتصاد من العوائق التي طالتها لسنوات. وفي هذا السياق، تسعى الحكومات المتعاقبة جاهدة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي عبر استغلال الموارد الطبيعية.
الصراع بين الجيش السوداني والدعم السريع أحدث كبتًا كبيرًا في جميع القطاعات الإنتاجية والصناعية والزراعية، مما أثر سلبًا على قدرة البلاد على تحقيق التنمية المستدامة والاعتماد الذاتي.
الحرب أثرت سلبًا على صادرات السودان، مما أدى إلى انهيار العملة المحلية بشكل متسارع أمام العملات الأجنبية، حيث وصلت قيمة الجنيه السوداني إلى مستويات قياسية منخفضة تصل إلى 1800 جنيه مقابل الدولار، مقارنة بمستوى قبل الحرب والذي كان عند 560 جنيه مقابل الدولار.
في إبريل الماضي، توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 18.3٪ بسبب الحرب، التي أدت إلى تدمير القاعدة الصناعية وتوقف النشاط الاقتصادي بما في ذلك الخدمات التجارية والمالية.
ومنذ منتصف أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
وتزايدت دعوات أممية ودولية إلى تجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 12 ولاية بالبلاد من أصل 18.
وقال وزير التجارة الفاتح عبدالله يوسف، السبت الماضي، إن عجز الميزان التجاري (الفرق بين قيمة الصادرات والواردات) في الربع الأول لهذا العام بلغ 4.8 مليارات دولار.
وأضاف في تصريحات صحفية، أن "الصادرات في الربع الأول من 2024 بلغت 3.8 مليارات دولار فيما بلغت الواردات 8.6 مليارات دولار". وكان العجز التجاري في 2022 بلغ 6.7 مليارات دولار، ليرتفع في 2023 إلى 7 مليارات دولار.
وكشف الوزير عن تدمير الحرب لـ 85 بالمئة من المصانع، ما دفع وزارة التجارة والتموين إلى استيراد السلع لسد الفجوة خاصة السكر والشاي واللبن والدقيق.
ودمرت الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، المناطق الصناعية والأسواق وسبل العيش في العاصمة ومدن كثيرة بالبلاد، ودفعت ملايين السودانيين إلى الفقر بعد تعطل أعمالهم وتجارتهم.
وقال وزير المعادن محمد بشير عبد الله، إن "الحرب أثرت سلبا على وزارة المعادن، حيث فقدت مقراتها بالخرطوم وخرجت من الخدمة في ولايات (كردفان ودارفور) مع فقدان شبه كامل للأصول والمعلومات الفنية الموروثة منذ عام 1905 حتى تاريخ اندلاع الحرب".
وأضاف في تصريحات، الأحد الماضي: "فقدت الوزارة إيرادات هذه الولايات وتحتاج إلى مجهود وأموال لإعادة إعمار المقرات واستعادة جزء من المعلومات، وتقدر التكلفة الكلية الأولية بـ4 مليارات دولار".
وساهمت وزارة المعادن بأكثر من 60 بالمئة من جملة صادرات البلاد للربع الأول من العام الحالي، وتجاوزت عائدات صادر الذهب والمعادن الأخرى 600 مليون دولار منذ مطلع 2024، حتى منتصف مايو/أيار الجاري.كغيره من القطاعات، تعطل قطاع النفط جراء المعارك الدائرة بين الطرفين في مناطق إنتاج النفط في ولايتي غرب وجنوب وكردفان، وكذلك حول مصفاة الجيلي شمالي الخرطوم التي أصابها الدمار.
وعانى قطاع النفط في السنوات الماضية من عدة عقبات، أبرزها ضعف الاستثمارات، والأوضاع الأمنية التي تحيط بمواقع الإنتاج، بحسب الخبراء.
وتراجع إنتاج السودان من النفط، بعد انفصال جنوب السودان عام 2011، من 450 ألف برميل يوميا إلى 60 ألف برميل يوميا، ما دفع البلد إلى استيراد أكثر من 60 بالمئة من احتياجاته النفطية.
ويرى الخبير الاقتصادي هيثم محمد فتحي، أن الحكومة لم تعتمد على خطة اقتصادية واضحة منذ بداية الحرب.
وأضاف فتحي "المهم أن يحدث توازن بين اقتصاد التنمية للمناطق الآمنة واقتصاد الحرب في المناطق غير المستقرة، وكذلك ضرورة الإنفاق على التسليح وتوفير احتياجات الجيش والسوداني.. رغم أن هذا يشكل صعوبات على ميزان المدفوعات وموارد النقد الأجنبي".
وذكر أن هناك أزمات ظهرت مع الحرب وتراكمت مع استمرارها، حيث ارتفعت نسبة البطالة، ودمرت البنية التحتية وتعثر التصنيع، وتوقفت المصانع عن الإنتاج، وتراجعت مقدرات الاستثمار إلى مستوى كبير.
وزاد "موارد النقد الأجنبي التي يعتمد عليها السودان، توقفت تماما، ما أدى إلى ارتفاع قيمة العملات الأجنبية وانهيار الجنيه، وارتفاع أسعار المواد التموينية الأساسية، وانعدمت موارد أخرى للنقد الأجنبي".
وأبرز هذه الموارد، "العبور للطيران الجوي فوق الأراضي السودانية، وموارد السياحة على قلتها، وموارد بعض الصادرات التي تأتي من مناطق الإنتاج في كردفان ودارفور".
ويرى الخبير الاقتصادي محمد الناير، أن إنقاذ الاقتصاد السوداني يحتاج إلى خطط للمرحلة المقبلة، "وعلى رأس ذلك تشكيل حكومة كفاءات مستقلة تدير المرحلة المقبلة، حتى تستطيع وضع خطط استراتيجية تدير البلاد".
وأضاف "يجب أن تكون في هذه الحكومة وزارتان إحداهما وزارة المالية وهي تعني بالخزانة وموازنة الدولة، وأخرى وزارة مالية وتخطيط اقتصادي وتعنى بوضع خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد".
وأردف "هناك سياسات كثيرة أساسية يجب تتخذ الآن، وعلى رأسها القرارات المتعلقة بالتعامل مع انخفاض العملة الوطنية الذي يمثل أكبر تحدٍ يواجه الاقتصاد السوداني" .
واستطرد "انخفاض العملة الوطنية انعكس على مجمل الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وعلى معدل التضخم وارتفاع المستوى العام للأسعار، وكذلك في تآكل العملة الوطنية".
ولفت إلى أن الكتلة النقدية الكبيرة الآن خارج النظام المصرفي، "وعلى الدولة أن تعالج ذلك بأن تلغى فئات كبيرة مثل فئة الألف جنيه".