عيد العرش المغربي بين التقدير الشعبي والإنجازات الوطنية
يأتي الاحتفال بعيد العرش بالمغرب هذا مختلفا، لكونه يرافق الذكرى الـ25 لتولى الملك محمد السادس الحكم في المغرب.
ورافق عيد العرش هذا العام احتفالات شعبية ورسمية ضخمة، عبر بها المواطنون المغربيون عن تأييدهم للملك محمد السادس الذي تولى الحكم خلفا لوالده الملك الراحل الحسن الثاني في عام 1999.
ويظهر الاحتفال بعيد العرش ارتباطاً وثيقاً بين الشعب المغربي والعرش الملكي، ويعد عيد الجلوس واحداً من أبهى هذه التجليات.
ويمثل 30 يوليو من كل عام عطلة رسمية بمناسبة الاحتفال بعيد العرش، الذي يعد موعدا لتجديد البيعة للملك، باحتفالات رسمية وشعبية كبيرة.
والليلة الماضية، ألقى العاهل المغربي الملك محمد السادس خطاب العرش وبثه التلفزيون المغربي، الذي جدد فيه آمال شعبه بالمستقبل، ووضع أمامهم الإنجازات التي تحققت، وقدم حلولا للقضية الفلسطينية.
وبمناسبة عيد العرش أصدر الملك محمد السادس، مساء أمس الإثنين، عفوا ملكيا ساميا عن 2476 شخصا، من بينهم معتقلون وآخرون في حالة سراح، محكوم عليهم من طرف مختلف المحاكم المغربية.
ووفق بيان وزارة العدل المغربية فإنه من بين المستفيدين من عفو الملك محمد السادس، 16 مدانا بمقتضيات قانون مكافحة الإرهاب؛ وذلك بعد إعادة تأهيلهم من خلال برنامج "مصالحة"؛ وقبولهم بمراجعات فكرية تنبذ التطرف واللجوء إلى العنف.
وفي خطابه الليلة الماضية، قدم الملك محمد السادس إلى الشعب المغربي، حصيلة الإنجازات خلال الفترة الماضية، واستشرف معهم آفاق المرحلة المقبلة.
واستعرض العاهل المغربي، في خطابه المكاسب والإنجازات التي تحققت على كل الأصعدة في عهده، والتي شملت في مجال الإصلاحات السياسية والمؤسسية، وترسيخ الهوية المغربية.
وكشف الملك محمد السادس عن التحديات التي تواجه بلاده، مؤكدا أنها تحتاج إلى المزيد من الجهد واليقظة، وإبداع الحلول، والحكمة في التدبير.
وأعرب عن اعتزازه بالجهود التي تبذلها كل القوى الحية، والفعاليات الوطنية، في القطاعين العام والخاص، من أجل تقدم وتنمية البلاد.
وتطرق العاهل المغربي إلى القضية الفلسطينية حيث أكد ضرورة "دعم المبادرات البناءة، التي تهدف لإيجاد حلول عملية، لتحقيق وقف ملموس ودائم لإطلاق النار، ومعالجة الوضع الإنساني".
ويتميز الاحتفال بعيد العرش بالمغرب بتقاليد وطقوس شعبية تعود لأكثر من 90 عاماً، منذ أن كان المغرب تحت الاستعمار الفرنسي.
بدأ الاحتفال عام 1933 حين نشرت مجلة المغرب مقالاً موقعاً باسم مستعار، اختار صاحبه أن يكون "المغربي"، وطالب فيه علانية سلطات الاستعمار السماح للمغاربة بالاحتفال بذكرى جلوس السلطان محمد الخامس، آنذاك، على العرش.
في كتابه "حياة وجهاد" تحدث السياسي والصحفي المغربي الراحل محمد حسن الوزاني باستفاضة عن هذه المرحلة التاريخية، مؤكداً أن "فكرة الاحتفال بذكرى تولي السلطان محمد بن يوسف الحكم خلفا لوالده السلطان المولى يوسف راجت لأول مرة بواسطة محمد صالح ميسة، وإليه يرجع التفكير في هذه المبادرة".
وفي 18 نوفمبر 1933 كان أول احتفال بعيد العرش وتميز بطعم خاص لدى المغاربة، اختلطت فيه مرارة الخوف من بطش الاستعمار بطعم الانتصار عليه بإقامة عيد وطني بعدة مدن، أغلقت فيه المدارس والكتاتيب وأغلق العديد من التجار محلاتهم واجتمع الناس في الساحات، فيما تلقى الملك الراحل محمد الخامس برقيات التهاني.
ووصف المستشار الملكي الراحل عبدالهادي بوطالب هذا اليوم في مذكراته قائلا: "كان اليوم 18 نوفمبر من سنة 1933، وكان المكان الحديقة العمومية الكبرى المعروفة باسم جنان السبيل، على مقربة من باب أبي الجنود بفاس، لم يقِنا استظلالنا بأشجار الحديقة من الابتلال برشاش المطر المتهاطل".
وأضاف: "لم أكن أعي في سن صباي وأنا أحضر هذا الاجتماع أنه كان المهرجان الوطني الشعبي الأول الذي تعقده الحركة الوطنية المغربية بالمدينة، للاحتفال بالذكرى السادسة لعيد جلوس السلطان محمد بن يوسف على العرش".
وفي العام التالي 1934، أصبح الاحتفال بعيد العرش يكتسي صبغة رسمية، إذ اعترفت به سلطات الاستعمار الفرنسي على مضض، وذلك عبر قرار وزاري أصدره الصدر الأعظم (أعلى منصب تحت السلطان) محمد المقري في أكتوبر من السنة ذاتها، بعد أن أشار عليه المقيم العام الفرنسي هنري بونسوت.
القرار الذي صدر بالجريدة الرسمية ضم عدة بنود، أبرزها أن يقوم باشا كل مدينة بتنظيم الأفراح والحفلات وتزيين المدن، وأن يوزع اللباس والطعام على نزلاء الجمعيات الخيرية، وجاء في القرار أيضا أن يكون عيد العرش يوم عطلة.
ويعد عيد العرش هو أكبر عيد وطني في البلاد، يتخلل مجموعة احتفالات وطقوس تختلف من مدينة لأخرى، لكن الثابت فيها منذ إقرار الاحتفال هو حفل البيعة، أو ما يسمى في المغرب بحفل الولاء.
عُقد هذا الحفل التقليدي في 3 مارس في عهد الحسن الثاني، وافتتح أول مرة في عام 1934 من قبل القوميين المغاربة الذين رغبوا في تحدي سلطات الاستعمار الفرنسية، وكان بمثابة إعلان من الشعب المغربي برفضهم الوصاية الفرنسية على البلاد.
عادة ما يُقام الحفل بالرباط، إلا أنه لسنوات عديدة أقيم بمدن أخرى، كمراكش، فاس، طنجة، تطوان، الدار البيضاء، وغيرها من المدن المغربية الكبرى، بحضور ممثلين عن جميع المدن المغربية، يُمثلون المغاربة بشتى درجاتهم ومشاربهم الاجتماعية والسياسية.
ويقف الجميع في باحة القصر الملكي من أجل تقديم فروض الطاعة والولاء وتجديد العهد للعرش المغربي، والتأكيد على التمسك بـ"أهداب العرش العلوي".
وتعتبر البيعة وطقوسها "تجديدا من لدى المغاربة للبيعة التي في عنقهم إزاء الملك باعتبارها عقدا سياسيا ودينيا شاملا"، و"عقدا سياسيا واجتماعيا وروحيا ودينيا وربانيا وسماويا متكاملا".