إخفاق العقوبات وتهديدات التدخل.. هل فقدت التكتلات الإقليمية في أفريقيا قدرتها على التأثير؟
يثير نجاح المجالس العسكرية في العديد من الدول الأفريقية في تثبيت حكمها، رغم العقوبات القاسية التي فرضتها منظمات وتكتلات إقليمية مثل المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس"، العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت هذه التكتلات قد أخفقت في تطويق الأزمات السياسية والأمنية التي تعصف بالمنطقة.
ورغم تهديدات "إيكواس" بالتدخل العسكري المباشر أو فرض عقوبات اقتصادية مشددة على الحكومات العسكرية، إلا أن هذه التكتلات لم تتمكن من إجبار المجالس العسكرية على التراجع عن قراراتها أو تغيير مسارها، وهو ما يضع مستقبل هذه المنظمات الإقليمية على المحك. هذا التحدي يطرح تساؤلات حول قدرة التكتلات مثل "إيكواس" على تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية في ظل الوضع المعقد الذي تشهده بعض الدول الأفريقية.
كان انقلاب النيجر في يوليو 2023 قد جذب الانتباه إلى دور "إيكواس" بشكل خاص، بعد أن هددت هذه المنظمة بتدخل عسكري واسع النطاق لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة، الذي أطاح به الحرس الرئاسي. في الوقت نفسه، فرضت "إيكواس" عقوبات اقتصادية صارمة ضد المجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد الانقلاب، بما في ذلك فرض قيود على التجارة والمالية. ورغم هذه الإجراءات، تمسك المجلس العسكري بمواقفه ولم يظهر أي مؤشر على تراجعه عن قراراته، وهو ما يعكس فشل هذه التكتلات في التأثير على مسار الأحداث.
وفي هذا السياق، علق المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية، ناصر سيدو، قائلًا إن "المنظمات والتكتلات الإقليمية قد فقدت دورها الفاعل، وأصبحت مجرد واجهة لخدمة مصالح القوى الغربية، مثل فرنسا، التي تستمر في نهب ثروات الساحل الأفريقي ومناطق أخرى من القارة". وأضاف سيدو، في تصريحات صحفية، أن "المعضلة تكمن في أن هذه المنظمات لم تدرك بعد التغييرات الجوهرية التي تشهدها أفريقيا. لقد أصبح هناك رأي عام يميل بشكل متزايد إلى التغيير، ويشعر الناس بالإحباط من الأنظمة التي لا تهتم سوى بمصالحها ومصالح حلفائها".
وأعرب سيدو عن اعتقاده بأن هناك العديد من المنظمات الإقليمية مثل "إيكواس"، التي انتهى دورها فعليًا، موضحًا أن هذه المنظمات لم تعد قادرة على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها المنطقة. وأشار إلى أن هناك أملًا في التحالفات الجديدة، مثل "كونفيدرالية الساحل الجديد"، التي تضم دولًا مثل مالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر، معربًا عن اعتقاده بأن هذه التحالفات قد تكون أكثر قدرة على تلبية تطلعات شعوب المنطقة في مجالي الأمن والاقتصاد.
على الجانب الآخر، أشار المحلل السياسي قاسم كايتا إلى أن العديد من المنظمات والتكتلات الأفريقية، التي تأسست بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين الدول، تشهد تراجعًا ملحوظًا في دورها، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنها ستظل عاجزة. وقال كايتا إن "المنظمات الإقليمية قد تواجه صعوبات في الوقت الراهن، إلا أنها تمتلك الإمكانيات التي قد تساعدها على النهوض من جديد، خاصة أن بعضها يتخصص في الجوانب الاقتصادية. ولكن هناك تحديات كبيرة تتعلق بالبنية التحتية التي تعيق عمليات التصدير والتوريد، مما يجعل التكامل الاقتصادي بين الدول الأفريقية أمرًا صعبًا".
وأضاف كايتا في تصريحات صحفيةأن "الصراعات السياسية بين العديد من الدول الأفريقية، مثل الخلافات بين بنين والنيجر، ومصر وإثيوبيا، والصومال وإثيوبيا، تمثل تهديدًا حقيقيًا للتعاون الإقليمي. هذه الخلافات يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية في القارة، كما أنها تعيق التنسيق الأمني بين الدول".
ورغم التحديات الراهنة، أكد كايتا أن هناك إمكانية لعودة هذه المنظمات إلى الساحة بشكل أقوى في المستقبل، خاصة في ظل دعم الأطراف الخارجية مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، التي تسعى إلى الحفاظ على استقرار الوضع في القارة وعدم انهيار هذه التكتلات التي تلعب دورًا مهمًا في التنسيق بين الدول الأفريقية. وأضاف أن هذه الأطراف لن تسمح بانهيار الوضع الأمني والسياسي في المنطقة، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة بناء هذه المنظمات وتعزيز دورها في مواجهة التحديات المتزايدة.