ترامب يضغط على ”المدن الآمنة” لمنعها من حماية المهاجرين

في إطار سعيه لتشديد سياسات الهجرة، يستهدف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما يُعرف بـ"المدن الآمنة"، التي تحاول حماية المهاجرين من الترحيل الجماعي. وتصر هذه المدن، التي تقودها أحزاب ديمقراطية، على عدم تسليم المهاجرين إلى سلطات الهجرة والجمارك، بينما يحاول ترامب الضغط على حكوماتها المحلية مالياً وقانونياً. وقد هدد بقطع التمويل الفيدرالي عن الولايات والمدن التي تتبنى هذه السياسات، مع التحذير بملاحقة المسؤولين المحليين الذين يعرقلون جهود الترحيل الجماعي.
منذ توليه المنصب، أصدر ترامب أوامر تنفيذية لتعزيز سياسات الهجرة، من بينها منح سلطات الهجرة المزيد من الصلاحيات وتوسيع فئة المهاجرين المعرضين للترحيل السريع. كما سعى لإنهاء حق التجنس بالولادة، وهي الخطوة التي قوبلت بتحديات قانونية.
ظهرت "المدن الآمنة" في السبعينيات والثمانينيات لحماية المهاجرين من أميركا الوسطى، وخاصة من السلفادور، الذين هربوا من الديكتاتوريات المدعومة أمريكياً. ومع تصاعد السياسات المعادية للهجرة، توسعت هذه المدن، خاصة بعد حملة ترامب في 2016.
رغم تسميتها "مدن آمنة"، لا توفر هذه المدن حماية جسدية مباشرة للمهاجرين غير النظاميين، لكنها ترفض التعاون مع سلطات الهجرة الفيدرالية في مهام مثل تحديد هوية المهاجرين أو اعتقالهم، مما يصعب على هذه السلطات تنفيذ عمليات الترحيل.
تتبع بعض الولايات مثل كاليفورنيا وكولورادو وكوينيتكت وغيرها سياسات لجوء تمنع التعاون بين الضباط المحليين وسلطات الهجرة الفيدرالية، بينما تفرض ولايات مثل ألاباما وتكساس قوانين تتطلب التعاون مع هيئات الهجرة لترحيل المهاجرين غير المسجلين. في 21 يناير الماضي، أصدر نائب المدعي العام بالإنابة، إميل بوف، توجيهات للمدعين الفيدراليين بالتحقيق مع المسؤولين المحليين الذين يعرقلون تنفيذ سياسات الهجرة الفيدرالية.
تثير هذه التوجيهات تساؤلات قانونية حول العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات، حيث يحدد التعديل العاشر للدستور صلاحيات الولايات، مما يمنحها الحق في وضع قوانينها الخاصة. ولكن، في حال محاولة الحكومة الفيدرالية مقاضاة المسؤولين المحليين لعدم تنفيذ سياسات الهجرة، يمكن أن تواجه تحديات قانونية بناءً على مبدأ "مناهضة الإجبار"، الذي يوضح أن الحكومة الفيدرالية لا يمكنها إجبار المسؤولين المحليين على تنفيذ سياساتها.
من جانب آخر، تبنى توم هومان، المسؤول الفيدرالي المكلف بتنفيذ سياسات الحدود، نهجًا صارمًا في التعامل مع الهجرة، مؤكدًا أن المهاجرين غير المسجلين لن يتمكنوا بعد الآن من اللجوء إلى "المناطق الحساسة" مثل المدارس والكنائس لتجنب الاعتقال.
أدى القلق المتزايد بشأن تطبيق قوانين الهجرة إلى قيام بعض مدارس الولايات بتوفير استشارات قانونية، مع التأكيد على منع مسؤولي الهجرة من دخول المدارس أو إخراج الطلاب دون اتباع الإجراءات القانونية المناسبة.
في الوقت نفسه، يتوقع الخبراء وصول القضية إلى المحكمة العليا إذا نفذت الإدارة الجديدة تهديداتها. وقالت ووفورد، إن المسؤولين المحليين في الولايات يعتزمون رفع دعاوى قضائية ضد الإدارة في المحكمة الفيدرالية إذا تعرضوا للملاحقة، متوقعة أن تنظر المحكمة العليا في القضية بسبب أهميتها في مسألة توزيع السلطة بين الحكومة الفيدرالية والولايات.
وأوضحت أن القضية تثير تساؤلات بشأن "السيادة المزدوجة" ومبدأ "مناهضة الإجبار" الذي وضعته المحكمة سابقاً في قضية "برينتز ضد الولايات المتحدة"، والتي رفضت فيها الحكومة الفيدرالية فرض فحوصات على مسؤولي إنفاذ القانون المحليين.
ووفقت ووفورد، إذا تمسك القضاة المحافظون في المحكمة الحالية بمواقفهم السابقة، فقد يصدر حكم ضد الإدارة الفيدرالية. لكن نيمان أشار إلى أنه من الممكن أن تدعم المحكمة الحكومة الفيدرالية في حال حاولت معاقبة المسؤولين عبر الملاحقة الجنائية، رغم أن القوانين الحالية تعتبر مثل هذه الإجراءات غير قانونية.
خلال ولايته الأولى، حاول ترامب استخدام التمويل الفيدرالي كوسيلة للضغط على المدن التي ترفض التعاون مع سلطات الهجرة، وهو ما أدى إلى دعاوى قضائية من قبل ولايات ومدن ديمقراطية.
أسفرت المعارك القانونية حول سياسات الهجرة عن قرارات متباينة من ثلاث محاكم استئناف، ما دفع القضية إلى المحكمة العليا الأمريكية في 2020. لكن بعد خسارة ترامب ووصول بايدن إلى السلطة، قررت وزارة العدل سحب القضية لعدم اهتمام الإدارة الجديدة بالدفاع عن هذه السياسات.
في ولايته الثانية، هدد ترامب بقطع التمويل عن المدن التي تقدم ملاذًا للاجئين، لكن نيمان أشار إلى أن الرئيس لا يستطيع حجب التمويل الفيدرالي دون موافقة الكونجرس، حيث أن هذه الأموال مخصصة بموجب قوانين واضحة. وأوضح أنه إذا أراد الرئيس وقف التمويل، يجب عليه إقناع الكونجرس، مستشهداً بما حدث في الخمسينيات عندما أوقف الكونجرس التمويل عن المدارس التي استمرت في تطبيق الفصل العنصري.
تقاوم العديد من "المدن الآمنة" سياسات ترامب، إذ يرى قادتها أن تطبيق قوانين الهجرة بشكل صارم يؤثر سلبًا على السلامة العامة ويقوض الثقة بين المواطنين والحكومة. شيكاجو، على سبيل المثال، تعارض بشدة سياسات ترامب، حيث أكد عمدة المدينة براندون جونسون أنه لن يتعاون مع عمليات الترحيل.
في هذا السياق، رفعت جماعات حقوق المهاجرين في شيكاجو دعوى قضائية ضد إدارة ترامب، مستهدفةً مداهمات الهجرة التي تركز على المدينة بسبب وضعها كملاذ آمن.
ووفورد أضافت أن المدن الآمنة قد تتمكن من مقاومة السياسات الفيدرالية، لكنها قد تواجه ملاحقات قانونية من إدارة ترامب. إذا سحبت القضية إلى المحكمة العليا، سيكون السؤال حول التوازن بين سلطات الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات حاسمًا. وأشارت إلى أن الإدارة الجديدة قد تتمكن من فرض سياسات سحب التمويل، مما قد يدفع المدن إلى تبني استراتيجيات أكثر دقة لضمان حقوق المهاجرين دون التعرض للعقوبات.