وزيرالأوقاف المصري يحذر من الانجراف وراء الشائعات

كتب -صابر رمضان
استعرض الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، كنوز وأسرار الجزء السادس والعشرين من القرآن الكريم، في وقفات تأملية؛ تبين ما يحمله هذا الجزء من عبرٍ وآياتٍ ومواعظ، وما فيه من النور والهدى.
في بداية حلقته نبّه وزير الأوقاف إلى ضرورة اغتنام ما تبقى من الشهر الكريم، الذي تمضي أيامه سريعا، وقلوب المؤمنين يملؤها الأسى على فراق هذه الأيام المباركة.
بعد ذلك استعرض وزير الأوقاف الموضع الأول من الجزء وهو قول الله -جلَّ جلاله-:{ وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَٰنًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُۥ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُۥ وَفِصَٰلُهُۥ ثَلَٰثُونَ شَهْرًا حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحًا تَرْضَىٰهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِىٓ إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ} (الأحقاف: ١٥).
مبينًا أن هذه الآية الكريمة تُعدُّ دستورًا ينظِّم علاقة الإنسان بالأجيال المختلفة، بدءًا من جيل الوالدين -الأب والأم، لا سيما الأم- ثم جيل الذرية القادمة والأجيال الناشئة، ثم علاقة الإنسان بنفسه، وأخيرًا علاقته بربه.
لذلك، بدأت الآية بعلاقة الإنسان بالجيل الأكبر، فقال تعالى: { وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ}، أي بالأب والأم، ولكن ماذا عن جدِّ الأب وجدِّ الأم، وعن أعمام الإنسان وأخواله؟ الوصية بالوالدين تمتدُّ لتشمل كل الجيل الأكبر، وكأن الله تعالى يقول: "ووصينا الإنسان بوالديه، ومن فوقهما من الأجداد والأعمام والأخوال من جهة الأب ومن جهة الأم".
فالوصية تبدأ بالأب والأم، ثم تمتدُّ لتشمل الجيل الذي يسبقهما، وبعد ذلك تتجلى بصيرة الإنسان وحرصه على أن يدَّخر للأجيال القادمة ما ينفعهم.
وهنا تتجلى فكرة "الاستدامة"، أي أن يحمل الإنسان همَّ الأجيال القادمة، ويسعى لأن يترك لهم عملًا صالحًا وذخيرةً نافعةً، كما جاء في قوله تعالى: ﴿ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى ﴾.
أي: كما وفَّقتني -يا رب- لأن أكون بارًّا بوالديَّ وأجدادي، فارزقني أيضًا ذريةً صالحةً تبرني كما كنت بارًّا بمن سبقني.
فتبرز هنا علاقة الإنسان بالأجيال الماضية، وعلاقته بالأجيال القادمة.
ثم في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحًا تَرْضَىٰهُ ﴾، مع قوله: ﴿ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ﴾، نجد أن الآية تتحدث عن علاقة الإنسان بذاته، وعن مسيرته في الحياة ومنهجه الذي يسير عليه.
وأكَّد الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري أن شكر النعمة والعمل الصالح؛ يمثلان أساس الارتباط بالله، لتنتهي الآية بإعلان العبد انتماءه الصادق إلى ربه: ﴿ إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴾، أي أنه قد وصل إلى الله ووقف على أعتابه، طالبًا العفو والقبول.
كما بين أن القرآن الكريم جعل بلوغ الأربعين عامًا سنَّ الكمال والنضج والرشد، فالآية تقول: ﴿ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ ولذلك كانت الأنبياء تُبعث عادةً في سنِّ الأربعين، لأنه سنُّ الاكتمال والتمام.
كما تناول وزير الأوقاف موضعًا آخر من هذا الجزء، وهو قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}(الحجرات٦).
موضحًا أن هذه الآية تدعونا إلى أن نكون دائمًا متثبتين، نراجع الأخبار، ولا ننجرف وراء كل ما نسمعه أو نقرأه، خاصة في عصر السوشيال ميديا، حيث تنتشر الشائعات بسرعة، فالعقلية الناقدة والمتثبتة تحمينا من الاندفاع وراء المعلومات المغلوطة، وتمنعنا من ظلم الناس أو الإساءة إليهم بناءً على أخبار غير مؤكدة.
وانتقل وزير الأوقاف إلى موضعٍ ثانٍ من السورة الكريمة فيه تحذيرٌ آخر، في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(الحجرات١١).
مبينًا أن هذه الآية تحذّرنا من السخرية، والتنمر، والاستهزاء بالآخرين، وانتقاص الناس سواءً كان ذلك على سبيل المزاح أو الجد. فالسخرية تسقط المروءة، وتجعل الإنسان مذمومًا عند الله، ولذلك يجب أن تكون علاقتنا بالناس قائمة على الاحترام والتقدير، كما كان الهدي النبوي الشريف.
كما تناول الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري موضعا ثالثًا من السورة نفسها، وهو قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}(الحجرات١٣).
مبينًا أن هذه الآية تؤكد أن معيار التفاضل بين البشر ليس العرق أو النسب، وإنما التقوى والعمل الصالح، كما أنها ترسّخ مبدأ "تعارف الحضارات" بديلًا عن "صدام الحضارات" الذي تروّجه بعض الفلسفات الأخرى؛ فالله جعل البشر شعوبًا وقبائل ليكون هناك تكامل وتعاون، لا صراع وعداوة، كما أكد أن علاقتنا مع كل الأمم والشعوب والثقافات التي حولنا هى التعارف وليس الصدام.
كما استعرض وزير الأوقاف موضعًا آخر من الجزء، في وقفة تأملية لقول الله تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}(ق ٣٧)، مؤكدًا أن القرآن يبيّن لنا في هذه الآية أربعة أشياء هى التى تصنع الهداية؛ أولها:(القرآن الكريم)، ثانيها:(القلب) وهو أن يتهيأ الموضع الذى يتأثر بالهداية وهو القلب، ثالثها:( السمع)، قال الله تعالى: أو ألقى السمع"، يعنى أنه اهتم وأصغى وسمع بعمق، فلم يسمع الكلام وهو فى حال ضجيج أو وهو مشغول، أو وهو معاند ورافض، لكنه سمع، وفهم وفكر، وتروى، رابعها: الانتباه والحضور، فلابد أن يكون الإنسان حاضرًا ومقبلًا ومنتبهًا، فيكون القلب حاضرًا، ويكون السمع مصغيًا، ويكون الإنسان مشاركًا، ومقبلًا، ومتفاعلًا، ومحبًا، فلا يمكن أن يبنى الإنسان إلا على أساس هذه العناصر وهذه المعانى.
إياك أن تنجرفَ مع الشائعات والسوشيال ميديا وتسئ للناس، وأنت معتدٍ عليهم، إياك والسخرية والتنمر والاستهزاء، وإياك أن تؤذي المشاعر، أو أن تجرح إنسانا.
وفي نهاية حلقته توجه وزير الأوقاف إلى الله تعالى سائلًا إياه أن يمن علينا بالفهم والقبول، وأن يرزقنا الإخلاص واليقين.