اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

مأزق كوريا الجنوبية.. دعوات لتعديل الدستور في أعقاب أزمة الأحكام العرفية وعزل الرئيس

كوريا الجنوبية
كوريا الجنوبية

تتطور الأوضاع السياسية في كوريا الجنوبية بشكل دراماتيكي، حيث شهدت البلاد في الأيام الماضية تطورات سياسية متسارعة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط المحلية والدولية. ففي أعقاب إطاحة المحكمة الدستورية بالرئيس يون سوك يول بسبب إعلانه الأحكام العرفية، أعلن رئيس البرلمان وو وون شيك عن اقتراح تعديل الدستور الكوري الجنوبي للحد من صلاحيات رئيس الدولة، في خطوة تشهد دعماً شعبياً متزايداً.
تفاصيل الأزمة السياسية
في 3 ديسمبر الماضي، أعلن الرئيس يون سوك يول حالة الأحكام العرفية في محاولة لاستئصال ما وصفه بـ "العناصر المناهضة للدولة" ومواجهة إساءة استغلال الحزب الديمقراطي المعارض لأغلبيته في البرلمان. وقد لاقى هذا القرار اعتراضاً واسعاً في الداخل والخارج، حيث تم مواجهته بانتقادات حادة من قبل النواب ومنظمات حقوق الإنسان. سرعان ما ألغى يون المرسوم بعد ست ساعات فقط إثر تصدي النواب لجهود قوات الأمن في إغلاق البرلمان.
وفي 15 يناير، تم توقيف الرئيس يون بتهم تتعلق بالعصيان، ليصبح أول رئيس في تاريخ كوريا الجنوبية يُعتقل وهو في منصبه. ورغم إطلاق سراحه في مارس بعد إلغاء المحكمة مذكرة اعتقاله، إلا أن هذه الحوادث فاقمت من الأزمة السياسية ودفعت إلى تصاعد الدعوات لإصلاح النظام السياسي في البلاد.
في ظل هذه الأوضاع، اقترح رئيس البرلمان الكوري الجنوبي وو وون شيك أن يتم تعديل الدستور للحد من صلاحيات الرئيس، وهو ما يتماشى مع رأي قطاعات واسعة من الشعب الكوري. وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "جالوب كوريا" في الشهر الماضي أن 54% من المواطنين يؤيدون تعديل الدستور لتقليص صلاحيات النظام الرئاسي، بينما يرى 30% أن التعديلات غير ضرورية.
وو وون شيك أعرب عن تأييده لإجراء استفتاء على تعديل الدستور تزامناً مع الانتخابات الرئاسية المقررة في غضون شهرين بعد إقالة الرئيس يون. وأشار إلى أن الشعب الكوري، بعد مرور البلاد بفترة من الأحكام العرفية غير الدستورية، أصبح أكثر قناعة من أي وقت مضى بضرورة مراجعة الدستور لضمان عدم تكرار مثل هذه الأزمات.
بعد حكم المحكمة الدستورية بعزل الرئيس يون، بدأت لجنة الانتخابات في كوريا الجنوبية الإعداد لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وقد تم تحديد موعد محتمل للانتخابات في الثالث من يونيو المقبل، على أن يبدأ المرشحون للرئاسة حملاتهم الانتخابية فور تسجيلهم. هذه الانتخابات تأتي في وقت حساس جداً، إذ تُعتبر نقطة فاصلة في مسار الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد.
من جانب آخر، يواجه الرئيس المعزول يون سوك يول محاكمة جنائية بتهم العصيان، وهو ما يزيد من تعقيد وضعه السياسي ويعكس استمرار التوترات في الساحة السياسية الكورية.
يُعتبر تعديل الدستور في كوريا الجنوبية خطوة حساسة للغاية، حيث يتطلب هذا التعديل توافقاً واسعاً بين القوى السياسية. في الماضي، تم تعديل الدستور في عام 1987 لإدخال الانتخابات الرئاسية المباشرة وتحديد فترة ولاية واحدة للرئيس مدتها خمس سنوات. وإذا تم تعديل الدستور مرة أخرى، فإن ذلك قد يغير بشكل جذري توزيع السلطات بين السلطة التنفيذية والتشريعية في البلاد.
في هذا السياق، يشير البعض إلى أن تقليص صلاحيات الرئيس قد يسهم في تقليل فرص حدوث الأزمات السياسية المستقبلية التي قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية. بينما يرى آخرون أن مثل هذا التعديل قد يُهدد استقرار النظام الرئاسي ويؤدي إلى مزيد من الاضطرابات السياسية.
تجسد الأزمة الحالية في كوريا الجنوبية حالة من التوتر السياسي الشديد، حيث تسعى القوى السياسية إلى إيجاد حل يعيد الاستقرار إلى البلاد. وفي ظل تزايد الدعوات لتعديل الدستور، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مدى تأثير هذه التعديلات على مستقبل النظام السياسي في كوريا الجنوبية. ما إذا كانت هذه الخطوات ستساهم في منع تكرار الأزمات السياسية أم ستشكل تهديداً لاستقرار الدولة، سيظل محلاً للنقاش والتأمل في الأسابيع القادمة.

موضوعات متعلقة