اللجوء السياسي لبشار الأسد بموسكو وتعيينات مفصلية في دمشق.. دلالات التحول السياسي بسوريا

في تطور سياسي لافت يحمل دلالات محلية ودولية، كشف السفير الروسي في بغداد، ألبروس كوتراشيف، عن معلومات غير مسبوقة تتعلق بمكان إقامة الرئيس السوري السابق بشار الأسد، مؤكدًا وجوده في موسكو بصفة لاجئ سياسي تحت حماية مباشرة من الكرملين. هذه التصريحات التي جاءت خلال مقابلة مع قناة "الشرقية" العراقية، تضع المشهد السوري في إطار جديد يعكس حجم التغييرات السياسية الجارية داخل سوريا وخارجها.
استراتيجية روسية محسوبة
أوضح كوتراشيف أن روسيا، ومن خلال منحها اللجوء السياسي للأسد، فرضت عليه شروطًا صارمة أبرزها الامتناع الكامل عن ممارسة أي نشاط إعلامي أو سياسي، في خطوة يبدو أنها تهدف إلى ضمان استقرار العلاقات الروسية الإقليمية، وتفادي أي ارتدادات قد تترتب على ممارسات علنية للأسد في المنفى. كما شدد على أن خيار تسليمه غير مطروح، ما يعكس إصرار موسكو على حماية حلفائها السابقين في سياق التزاماتها الجيوسياسية.
من وجهة نظر تحليلية، يبدو أن روسيا تسعى لتأمين "مخرج آمن" لحلفائها السابقين دون أن تخسر موقعها كلاعب دولي مؤثر. هذه الخطوة تؤكد رغبة الكرملين في التحكم الكامل بمسار ما بعد الأسد، سواء في سوريا أو على الصعيد الإقليمي.
ثروة عائلة الأسد
تزامن الكشف عن لجوء الأسد مع تقديرات جديدة لوزارة الخارجية الأمريكية حول ثروة عائلة الأسد، التي قُدرت بحوالي 2 مليار دولار موزعة بين حسابات مصرفية، شركات وهمية، وملاذات ضريبية. هذه الأرقام تعزز من الرواية الغربية التي تتهم النظام السوري السابق بالفساد المنظم، وتؤسس لاحتمالات أكبر لتحركات قانونية دولية ضد أفراد من العائلة، حتى وإن أصبحوا في مأمن سياسي في روسيا.
الربط بين هذه التقديرات المالية وبين اللجوء السياسي للأسد يطرح تساؤلات حول وجود تفاهمات غير معلنة بين موسكو ودمشق، وربما واشنطن، لتأمين مخرج سياسي ومالي للأسد مقابل تنحيه عن السلطة بطريقة هادئة.
إعادة هيكلة الرئاسة السورية
على المستوى الداخلي، أُعلن عن تعيين د. ماهر الشرع، وزير الصحة السابق، أميناً عاماً لرئاسة الجمهورية في سوريا من قِبل الرئيس الجديد أحمد الشرع. هذه الخطوة تعكس توجه النظام السوري نحو إعادة تشكيل البنية الإدارية العليا في الدولة، مع التركيز على شخصيات تكنوقراطية ذات خلفية علمية وإدارية.
يُعد منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية من أكثر المناصب حساسية وتأثيرًا، حيث يتولى التنسيق بين الرئيس وجميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك الحكومة، البرلمان، والأجهزة الأمنية. كما يشرف على إعداد مشروعات القوانين، وتنظيم المراسلات، والاجتماعات، ويزود الرئيس بالمعلومات والتقارير التي تؤثر في اتخاذ القرارات الاستراتيجية.
اختيار شخصية مثل ماهر الشرع – بخلفيته في الطب وإدارة النظم الصحية – قد يشير إلى رغبة القيادة الجديدة في تقديم وجه إداري جديد يتسم بالكفاءة والاحتراف، بعيداً عن الأسماء التي ارتبطت بالمرحلة السابقة.
قراءة في دلالات المشهد السوري الراهن
موسكو ترسم ملامح الانتقال السياسي بهدوء: منح الأسد اللجوء المشروط دليل على أن روسيا لا تزال تدير الملف السوري من خلف الكواليس، وتسعى لتأمين توازنات داخلية وإقليمية، دون الدخول في مواجهة مباشرة مع القوى الغربية.
القيادة السورية تتجه نحو إعادة هيكلة الدولة: تعيين أمين عام جديد للرئاسة خطوة أولى نحو بناء مؤسسات دولة أكثر تنظيمًا، على الأقل في الشكل الإداري، وهو ما قد يشير إلى بداية "عهد إداري" جديد حتى وإن بقي الجوهر السياسي دون تغيير جذري.
الأسد خارج اللعبة… ولكن داخل الحسابات: وجود الأسد في موسكو بصمت لا يعني خروجه من الحسابات السياسية الإقليمية. بل ربما يُحتفظ به كورقة تفاوض لاحقًا، أو كأداة توازن عند الضرورة.
ثروة الأسد بين مطرقة الضغط الدولي وسندان الحماية الروسية: التقديرات الأمريكية للثروة تمثل ورقة ضغط دبلوماسي، لكنها قد تُستخدم أيضًا كورقة تفاوض خلف الستار، في حال جرى التفاهم على تسوية أوسع للملف السوري.
التحركات السياسية الأخيرة، سواء من خلال منح اللجوء لبشار الأسد أو إعادة هيكلة مؤسسة الرئاسة، تشي بأن سوريا تدخل مرحلة انتقالية بصيغة محسوبة وموجهة، تضمن مصالح الأطراف النافذة إقليميًا ودوليًا. موسكو، من جهتها، تحاول الحفاظ على نفوذها من خلال إدارة دقيقة لملف ما بعد الأسد، في حين تسعى القيادة الجديدة في دمشق إلى إظهار نوايا إصلاح إداري، ولو بالحد الأدنى.
يبقى السؤال الأهم: هل ما نشهده هو مجرد تغيير في الواجهة، أم بداية فعلية لمرحلة جديدة من الحكم في سوريا؟