اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

موسكو تحاول الوساطة لوقف التصعيد الأمريكي الإيراني وسط سيناريوهات معقدة

إيران
إيران

في ظل التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة وإيران بشأن البرنامج النووي الإيراني، أعلن الكرملين، اليوم الاثنين، استعداد موسكو لبذل أقصى ما يمكن من جهود دبلوماسية لخفض التصعيد بين الطرفين، مؤكدًا موقع روسيا كطرف فاعل يسعى لاحتواء الأزمات الدولية، لا سيما في الملفات النووية الحساسة التي قد تخلّ بتوازنات الأمن الإقليمي والدولي.
هذا الموقف الروسي يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية الإيرانية توتراً متجدداً، بعد تصريحات شديدة اللهجة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عاد إلى واجهة المشهد السياسي بخطاب تصعيدي. إذ هدّد ترامب بشكل صريح باستخدام القوة العسكرية ضد إيران في حال عدم التوصل إلى اتفاق جديد بشأن برنامجها النووي، وهو ما يعيد للأذهان سياسة "الضغط الأقصى" التي اتبعها خلال فترة ولايته الأولى.
في المقابل، جاء الرد الإيراني حازماً، على لسان نائب وزير الخارجية عباس عراقجي، الذي رفض بشكل قاطع فكرة التفاوض المباشر مع واشنطن، خصوصاً في ظل ما وصفه بـ"لغة التهديد"، مؤكدًا أن بلاده تفضل إجراء المحادثات من خلال وسطاء، حفاظًا على كرامتها السيادية واستقلالية قرارها السياسي.
ورداً على طرح بعض الساسة الأمريكيين – ومنهم السيناتور توم كوتون – لإمكانية عقد اتفاق مع إيران مشابه للاتفاق الليبي عام 2003، والذي تخلّت بموجبه طرابلس عن برنامجها النووي مقابل تطبيع علاقاتها مع الغرب، علّق عراقجي بسخرية قائلاً: "هذا السيناريو يوجد فقط في أحلامهم"، في إشارة إلى رفض طهران المطلق لأي صيغة اتفاق تضعها في موقع الدول الخاضعة أو المنهزمة.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس ترامب كان قد انسحب من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018، وهو الاتفاق الذي أُبرم عام 2015 بين إيران والقوى الكبرى، والذي كان يهدف إلى تقليص قدرات إيران النووية مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وقد برر ترامب آنذاك قراره بأن الاتفاق يعاني من "ثغرات خطيرة"، لا سيما تجاه نشاطات إيران الإقليمية وبرنامجها الصاروخي.
منذ ذلك الحين، فشلت جهود إدارة الرئيس جو بايدن في إحياء الاتفاق، رغم محاولات متعددة عبر الوساطات الأوروبية. ومع توقف المسار الدبلوماسي، شرعت إيران منذ أبريل 2021 في رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى درجات نقاء تصل إلى 60%، وهو ما يقترب كثيراً من الحد المطلوب لصناعة الأسلحة النووية، أي 90%، في تجاوز صارخ لسقف 3.67% المنصوص عليه في الاتفاق الأصلي.
وتؤكد طهران أن برنامجها النووي ذو أهداف مدنية بحتة، مدافعة عن حقها السيادي في التخصيب، بينما ترى الوكالة الدولية للطاقة الذرية والقوى الغربية أن التخصيب إلى هذه المستويات لا يُمكن تبريره مدنيًا، وتشير إلى أنه لا توجد دولة وصلت إلى هذه الدرجة من التخصيب دون أن تنتج فعليًا أسلحة نووية.
في ظل هذا المشهد المتشابك، يتعزز دور موسكو كوسيط محتمل، مستغلة علاقاتها الجيدة نسبيًا مع طهران من جهة، وقدرتها على التواصل مع واشنطن من جهة أخرى. إلا أن فرص نجاح الوساطة تبقى مرهونة بمدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات واقعية، بعيداً عن الشعارات القصوى والتهديدات المتبادلة.
إن التصعيد الحالي لا يعكس مجرد خلاف تقني حول نسب التخصيب أو شروط الاتفاق، بل يعبّر عن صراع أعمق يرتبط بمكانة إيران الإقليمية، وتوازنات القوى في الشرق الأوسط، واستحقاقات السياسة الداخلية في الولايات المتحدة. وبينما تلوّح واشنطن بالخيار العسكري، تتمسك طهران بموقفها الثابت وتراهن على كسب الوقت وتوسيع هوامش المناورة، في وقت تحاول فيه روسيا إعادة التموضع في الساحة الدولية كقوة توازن وتهدئة.