إندونيسيا تتحرك دبلوماسيًا وإنسانيًا وسط تصاعد المقترحات المثيرة للجدل بشأن غزة

في خطوة تعكس مزجًا بين الدافع الإنساني والتحرك الدبلوماسي، أعلن الرئيس الإندونيسي برابو سوبيانتو استعداد بلاده لاستقبال نحو ألف فلسطيني من المتضررين في قطاع غزة "بصورة مؤقتة"، شريطة الحصول على موافقة جميع الأطراف المعنية.
تأتي هذه المبادرة بالتزامن مع بدء جولة خارجية للرئيس تشمل عددًا من الدول الفاعلة في المنطقة، على رأسها الإمارات ومصر وقطر والأردن وتركيا.
وتستهدف الجولة، بحسب تصريحات سوبيانتو، التشاور المباشر حول كيفية مساهمة إندونيسيا في تخفيف حدة الأزمة في غزة، مستفيدةً من وضعها كدولة غير منحازة وكونها صاحبة أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم. وجاء هذا التحرك في أعقاب تلقي جاكرتا اتصالات متعددة من قادة ودبلوماسيين دوليين يبحثون دورها المحتمل في تهدئة الوضع الإنساني المتدهور بالقطاع.
البُعد السياسي للمبادرة الإندونيسية
ورغم الطابع الإنساني الذي تؤطر به المبادرة، إلا أنها لا تنفصل عن سياقات سياسية أكثر تعقيدًا تتعلق بمحاولات دولية، لا سيما من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، لطرح حلول جدلية لأزمة غزة تتضمن اقتراحات بالتهجير الدائم، وهو ما ترفضه جاكرتا جملة وتفصيلًا.
ففي حين شدد سوبيانتو على أن الاستضافة ستكون "مؤقتة فقط" وأن اللاجئين الفلسطينيين سيعودون إلى ديارهم فور استقرار الأوضاع، يأتي هذا الطرح ليشكل نوعًا من الرد الإندونيسي الضمني على مقترحات سابقة، أبرزها ما طرحه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، بخصوص نقل سكان غزة إلى دول أخرى وتحويل القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط".
مقترحات ترمب وتحركات إسرائيلية موازية
مقترح ترمب لقي دعمًا واضحًا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أكد وجود مفاوضات مع عدد من الدول لاستقبال سكان غزة، رافضًا الإفصاح عن أسمائها. في المقابل، كشفت تقارير صحفية أن إسرائيل فتحت بالفعل قنوات تواصل مع دول مثل الصومال، جنوب السودان، وحتى إندونيسيا.
كما أفاد موقع "أكسيوس" الأميركي أن الموساد كُلِّف رسميًا بالبحث عن وجهات محتملة للفلسطينيين. بل وأقرت الحكومة الإسرائيلية إنشاء إدارة خاصة داخل وزارة الدفاع لتسهيل الهجرة "الطوعية" لسكان غزة، وسط إدانات عربية واسعة اعتبرت هذه التحركات تهجيرًا قسريًا مغلفًا بمفردات إنسانية.
موقف عربي موحد يرفض التهجير
الرد العربي لم يتأخر، حيث عبّرت قمة الجامعة العربية الطارئة في مارس بالقاهرة عن رفضها القاطع لسياسات التهجير، داعية إلى دعم خطة مصر لإعادة إعمار غزة، وتشكيل لجنة فلسطينية لإدارة المرحلة الانتقالية تحت إشراف السلطة الفلسطينية.
كما أكد مجلس التعاون الخليجي في اجتماعه الوزاري الأخير، دعم الفلسطينيين للبقاء في أرضهم ورفض أي سيناريوهات لتفريغ القطاع من سكانه.
قراءة في المبادرة الإندونيسية
المبادرة الإندونيسية يمكن قراءتها كتحرك ذكي بين التحرك الإنساني المشروع والرفض المبدئي لأي تهجير دائم، إذ حرص الرئيس سوبيانتو على التأكيد مرارًا أن الاستضافة ستكون بموافقة جميع الأطراف، مؤقتة، ولأغراض علاجية ونفسية فقط، وهو ما يبعد بلاده عن شبهة الانخراط في مشاريع تهجير قسري.
في المقابل، تُعَد هذه الخطوة نافذة دبلوماسية لإندونيسيا لتوسيع دورها في قضايا الشرق الأوسط، خاصة بعد إعلان استعدادها العام الماضي للمشاركة في قوات حفظ السلام إذا دعت الحاجة.
ما بين الدور الإنساني والتحديات السياسية
في الوقت الذي تتواصل فيه التحركات الإسرائيلية والأميركية لتغيير الواقع الديموغرافي في غزة، تأتي المبادرة الإندونيسية كتحرك إنساني مشروط ومحدود، لكنها تسلط الضوء على خط رفيع بين الدعم الإنساني المؤقت والمشاركة في مشروع تهجير مقنّع.
يبقى موقف جاكرتا تحت المجهر، لا سيما في ظل ما قد تكشفه الأيام القادمة من تفاصيل حول شكل الاستضافة، ومدى تجاوب بقية الأطراف، وخاصة السلطة الفلسطينية، التي أكد الرئيس الإندونيسي أنه سيتواصل معها رسميًا لتنسيق الخطوات القادمة.