فقه الأولويات
إننا ننشغل طويلًا بمسائل النقاب والغناء واللحية مع ترك قضايا الأمة الكبرى وأدواتها الأصلية وهو عبث لا ترضاه الشريعة. لقد قيل للشيخ الغزالي ما حكم تارك الصلاة، فقال: "حكمه أن تأخذه معك إلى المسجد" بدلًا من الأخذ والرد في حكمه والاختلاف فيه افعل الأفضل والأحسن والأرقى، وهو أن تأخذه معك إلى المسجد وتنشغل بدعوته للصلاة بدلًا من تكفيره أو تعنيفه.
وقال الكاتب والمفكر الإسلامي ناجح إبراهيم فى مقال له بجريدة المصري اليوم إن مشكلتنا جميعًا هي معايير الأولويات وتغييب فقهها حتى صرنا نكبر الصغير ونصغر الكبير، ونعظم الهين ونهون الخطير، ونؤخر أوائل الأمور ونقدم أواخرها، ونهتم بالصغائر ونهون الكبائر؛ فنرى الرجل يسبح كثيرًا ولا يتحرر من المال أو الدماء الحرام، فيأخذ الرشوة مثلًا دون استحياء، ونهتم بالنوافل على حساب الفرائض، ونقدم مصالح الجماعات والأفراد على مصالح الدولة والأمة، ونقدم الحرب على السلام والصراع على الوئام.
وذكر الكاتب أن تماسك المجتمع وترابطه يُعد أولوية كبرى حتى إن هارون عليه السلام استدل بها وهو يرد على معاتبة شقيقه نبي الله موسى له بعد أن عبد بنو إسرائيل العجل فقال: "خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي" فصبرا عليهم ولم يفارقاهم أو يهجراهم لعلهم يرجعون.
وأشار الكاتب إلى أن فقه الأولويات هو الذي يجعلك تفرق بين الكفر والظلم وبين الكفر والفسق وبين الكفر الأكبر والأصغر وبين معصية آدم ومعصية إبليس وبين معصية الشهوة وإثم الكبر وبين معاصي القلب والجوارح؛فمن كانت معصيته في الشهوة نرجو له خيرًا، ومن كانت معصيته في الكبر فلا يُرجى منه خير. معصية آدم كانت في الشهوة فتاب وتاب الله عليه ومعصية إبليس كانت في الكبر فلم يتب عليه.