مساجد الجزائر.. موروث إسلامي شاهد على حضارات متجذرة في التاريخ
تضم الجزائر ،كسائر بلاد المسلمين عددا كبيرا من المساجد، من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها إلا أن بعض المساجد تحظى بمكانة خاصة في الجزائر نظرا لارتباطها التاريخي بحقبة معينة من الزمن، ولعل أهم تلك المساجد مسجد "سيدي غانم" بولاية ميلة في الشرق الجزائري ويعد من أقدم المعالم التاريخية التي شيدت في البلاد، إذ يعتبره كثيرون رمزا حضاريا وتاريخيا، لارتباطه بهوية الأمة العربية والإسلامية.
ويعود تاريخ بنائه إلى نحو 14 قرنا وتحديدا سنة 59 للهجرة، حيث حافظ الجزائريون على بقائه رغم تعاقب السنين، وهو المسجد الذي بناه أبو المهاجر دينار.
ويحاكي مسجد "سيدي غانم" رغم بساطته روعة الإبداع الإسلامي في شمال إفريقيا، وكان بمنارة المسجد 365 درجا على عدد أيام السنة، ويبلغ علوها 62 مترا، وهو ما يعادل 20 طابقا من البنايات الحديثة، أما عن تخطيطه، فيذكر علماء الآثار والتاريخ أنه يشبه مسجد القيروان بتونس والمسجد الأموي بسوريا.
وقد صنف كثاني أقدم مسجد على مستوى المغرب العربي بعد مسجد (القيروان) في تونس، وهو ما تؤكده الأبحاث التاريخية التي تذهب إلى أن هذا المسجد هو الأقدم في الجزائر.
وكشف المهندس المعماري، أحمد وانجلي المشارك في إعادة ترميم هذا المسجد، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، أن "هذا الصرح الإسلامي هو كنز للجزائر وللهوية الدينية وسكان المنطقة المتمسكين بكل ما هو إسلامي، وتم إعادة ترميم هذا الجامع مع الأخذ بعين الاعتبار أبسط التفاصيل لأنها هي التي تصنع الفرق وتؤكد على ميزة أقدم مسجد فوق أرض الشهداء".
وفي الغرب الجزائري وتحديدا في ولاية تلمسان يوجد الجامع الكبير، حيث تعد المساجد العتيقة في تلك الولاية جزءا من الموروث المادي الثقافي للمنطقة ويعود تاريخ تشييدها إلى مئات السنين وهي تؤكد الدور الاستراتيجي الذي احتلته هذه المدينة تاريخيا.
وتشير المراجع التاريخية إلى أن الجامع الكبير يصنف ضمن العمارة التشفينية التي لازالت قائمة في تلمسان وندرومة، إذ شيده المرابطون في 18 يونيو من العام 1097م، وفي عام 1324م قام الزيانيون بتشييد مئذنته، وهو من آثار سلاطين الدولة المرابطية، الذين امتد حكمهم حتى المغرب الأوسط، ويعتبر تحفة معمارية تزين الواجهة البحرية للجزائر العاصمة.
وتبلغ مساحة هذا المسجد على 2000 متر مربع، ويشبه المساجد العتيقة الإسلامية، رغم تعرضه لعمليات تخريب عديدة بسبب المعارك البحرية في العهد العثماني.
كما تحتوي المدينة على المسجد الأعظم الذي يعتبر من أشهر المعالم التي خلفها سلاطين الدولة المرابطية، حيث شيد المسجد الأعظم لمدينة تلمسان عام 1136 على يد السلطان المرابطي، يوسف بن تاشفين، بعدها أتم الموحدون البناء، ثم قام الزيانيون ببناء مئذنته، التي يبلغ علوها 35 مترا.
ويقع المسجد في وسط المدينة التاريخية، وتقابله المدرسة التشفينية، التي تحولت إلى متحف، وهو غير بعيد عن قصر وقلعة المشور، ويشكل مقصدا للزوار بزخارفه المعمارية، فهذان المسجدان وغيرهما كمسجد المشور، ومسجد سيدي الحلوي ومسجد أغادير الذي لم يتبق منه سوى آثار بعض الجدران والمئذنة، ومسجد المنصورة ومسجد العباد اللذين شيدهما المرينيون منذ قرون خلت، كلها تشهد لحقب تاريخية وتحكي حضارات متميزة، بأشكالها وهندستها وتصاميمها وزخارفها ونقوشها وقببها وأروقتها وما تحتويه من قاعات ومحارب وغير ذلك.
وفي هذا الشأن، قال الدكتور نصر الدين بن داود، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة تلمسان، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إن العمارة الإسلامية بتلمسان هي هوية هذه المدينة العتيقة التي تميزها عن سائر المدن الجزائرية الأخرى، وإن الحضارة الإسلامية التي مرت من هنا شيدت المسجد الكبير الذي يعتبر نواة التوسع الإسلامي بالولاية، خاصة في عهد الزيانيين الذين خلدوا ذكراهم بمنارة زيانية خالصة في هذا المسجد".
وأضاف الدكتور ابن داود، أن هذه المساجد لعبت دورا تاريخيا بارزا في الحياة الثقافية والحضارية لتلمسان في فترات مختلفة، فكانت مقصد العلماء والطلبة ومدارس لعلوم الفقه واللغة والأدب، وتأثرت بعوامل تاريخية كالاستعمار، إلى جانب عامل الزمن والطبيعة وإن هي اندثرت فسيندثر معها جزء من التاريخ لأنها فعلا متحف مفتوح على الطبيعة.
وغير بعيد عن تلمسان، نجد مدينة وهران غربي الجزائر، التي تزخر بالعديد من المساجد العتيقة المشيدة عبر فترات متلاحقة منذ الفتح الإسلامي حيث ساهمت في نشر أنوار الهداية والإشعاع الفكري، كما ارتبط البعض منها بأحداث تاريخية هامة عرفتها المدينة وقد تعرضت هذه المساجد التاريخية خلال الاحتلال الإسباني والفرنسي الذي دام أكثر من أربعة قرون إلى أعمال التخريب والغلق وطمس بعض معالمها المعمارية والاستيلاء على أوقافها.
ورغم الاعتداءات التي طالت هذه المنشآت الدينية والتعليمية لا يزال بعض هذه الجوامع الأثرية يواصل أداء وظائفه الدينية حتى يومنا هذا وفي طليعتها "جامع الباشا" الشاهد على تحرير وهران من الإسبان، إذ يعتبر أحد أهم المساجد العتيقة بوهران، وتم تشييده من قبل الباي محمد الكبير مباشرة بعد تحرير وهران من الاحتلال الإسباني سنة 1792م، بأمر من الحاكم حسن باشا، "وذلك شكرا لله على تمكينهم من طرد الإسبان بعد حوالي ثلاثة قرون من الاحتلال للمدينة" حسبما ذكره رئيس مصلحة الثقافة الإسلامية والتعليم القرآني بذات الولاية، السيد مخفي بوخماشة لوكالة الأنباء القطرية "قنا" وهذا استنادا إلى مصادر تاريخية.
وأضاف بوخماشة أنه لا تزال هنالك اللوحة الرخامية التأسيسية لهذا الجامع الذي افتتح سنة 1796م والموجودة حاليا بمتحف أحمد زبانة بوهران والتي تؤرخ لهذا النصر.
وشيد هذا الجامع آنذاك على طراز المساجد العثمانية ذات القبة المركزية يحيط بها 12 قبة صغيرة وأسفل القبة دكة تعلو بيت الصلاة وكان المؤذن يرفع من عليها الأذان، فيما أنجزت المئذنة ثمانية الأوجه في الركن الجنوبي الشرقي للجامع.
وتحوي وهران الباهية كما يحلو للجزائريين تسميتها مسجد "الإمام سيدي الهواري" الذي كان في الأصل زاوية أسسها الولي الصالح محمد بن عمر الهواري (1350- 1439) بالحي الذي يحمل اسمه.. وقد خضع هذا المسجد الذي تبلغ مساحته 1.452 مترا مربعا لعملية ترميم في سنة 2015.
وبمدينة الورود "البليدة"، غربي العاصمة الجزائرية، نجد مسجد "الكوثر" الشهير والذي تم بناؤه الأول سنة 1533م وبعدها تم تدميره من طرف الاستعمار الفرنسي لبناء كاتدرائية، ومباشرة بعد استقلال البلاد سنة 1962 تمت إعادة بنائه، ويحتوي على قبة كبيرة مزخرفة وملونة بحيث تناسب طبيعة المدينة المميزة بورودها وأزهارها وطبيعتها الخلابة، كما يحتوي على أربع مآذن والتي يصل طولها إلى 60 مترا وهذا ما يميزه عن باقي المساجد الأخرى ويجعله مقصدا سياحيا مهما في هذه الولاية.
ونجد بالعاصمة الجزائر مجموعة من المساجد التي أخذت صيتا إقليميا وعالميا وأهمها، مسجد الجزائر الأعظم الذي يعد ثالث أكبر مساجد العالم، وتم افتتاح القاعة الرئيسية بهذا الصرح الإسلامي في 28 أكتوبر 2020، بمناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي وأقيمت فيه أول صلاة جماعة.
يضم المسجد 12 بناية منفصلة في موقع يمتد على 20 هكتارا بمساحة تزيد على 400 ألف م²، وصمم خصيصا كمضاد للزلازل، به مواقف تستوعب 4 آلاف سيارة ومساحة قاعة الصلاة فيه تزيد على هكتارين (22 ألف م²)، تتسع لأكثر من 36.000 مصل ومن الممكن مع استعمال المساحات الخارجية أن يتسع لحوالي 120.000 مصل، ومن معالمه المميزة وجود المئذنة التي تلعب بدورها أيضا كمنارة للسفن ويبلغ ارتفاعها 265 م وقبة قطرها 50 وبارتفاع 70 مترا، كما يضم أيضا مدرسة لتعليم القرآن ومكتبة ومتحفا للفن والتاريخ الإسلامي، وهو مركز أبحاث حول تاريخ الجزائر، وقاعة للمؤتمرات وحدائق.
وبقلب العاصمة أيضا، نجد جامع كتشاوة، تم تدشينه لأول مرة سنة 1463م وأعيد بناؤه مرتين، الأولى في سنة 1613 والمرة الثانية في سنة 1794م تحت الحكم العثماني، وهندسته المعمارية مستلهمة من المساجد التي بنيت في تركيا حسب العمارة البيزنطية.
وبالعاصمة نجد كذلك الجامع الكبير، والذي تم بناؤه سنة 1097م من طرف سلطان دولة المرابطين يوسف بن تاشفين ويعتبر من أقدم المساجد في الجزائر حيث تم بناء مئذنته سنة 1324م من طرف سلطان الدولة الزيانية. ويعتبر رمز الهندسة المعمارية في عصر المرابطين وهو المعلم الأثري الوحيد الذي بقي شاهدا على حقبة حكم المرابطين.
وقال الدكتور سعيد بوسماحة، أستاذ بالمدرسة متعددة العلوم للهندسة المعمارية والعمران بالجزائر، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، "إن مساجد العاصمة مميزة بتفاصيلها وهويتها الراقية التي لا يمكن مصادفتها في باقي مناطق العالم، فإضافة إلى هندستها الإسلامية بألوانها الزاهية نجد لمسة مميزة من خلال السجاد والستائر وكذا الأواني في دور الوضوء.
وبمنطقة القبائل، وتحديدا في ولاية بجاية نجد مجموعة من المساجد المميزة التي يحافظ عليها سكان المنطقة منذ عصور خلت في مقدمتها، الجامع الأعظم الذي تم بناؤه أثناء إنشاء قصبة بجاية من طرف الأمير الناصر بن علناي بن حماد في مرحلة دولة الحماديين قبل توسيع الجامع من طرف دولة الموحدين. فبعد شروعه في بناء مدينة بجاية وفق طراز عمراني حمادي، أنشأ الناصر بن علناي أسوار القصبة وبنى بداخلها عدة منشآت على رأسها الجامع الأعظم خلال عام 465 هـ.
وفي مدينة الجسور المعلقة، قسنطينة في الشرق الجزائري نجد مسجد الباي وهو من أهم مساجد المدينة، بناه الباي حسن بن حسين، الذي تولى حكم قسنطينة من عام 1141هـ إلى عام 1168هـ. وقد بني المسجد في عام 1156هـ كما تدل عليه الكتابة الرخامية الموجودة فوق باب مدخل بيت الصلاة، وبجواره مدرسة أيضا. وكان يقوم بالتدريس فيه ثمانية من المدرسين. وآخر من أحيا فيه سنة التدريس الأستاذ العلامة الإمام عبد الحميد بن باديس بن محمد المصطفى ابن المكي بن باديس.
وهناك أيضا مسجد الأمير عبد القادر، الذي تم تدشينه سنة 1994م وهو من أكبر المساجد في شمال إفريقيا حيث تصل مئذنتاه إلى 107 أمتار طولا وقبة تصل إلى 64 مترا ويتميز بهندسته المعمارية الإسلامية وبإمكانه أن يستقبل أكثر من خمسة عشر ألف مصل في الداخل وعدة آلاف آخرين في ساحته الكبيرة.
وفي مدينة عنابة بأقصى شرق الجزائر، هناك مساجد عريقة بعراقة المدينة، في مستهلها جامع الباي الذي يتوسط باحة السوافة بالمدينة القديمة حيث يوجد بمحاذاة الجهة البحرية، وبالقرب من مسجد أبي مروان الشريف، والذي يعد أيضا معلما تاريخيا، ولا تفصله عنه إلا بعض الأزقة الضيقة والمتلاصقة.
ويعتبر هذا المعلم الديني من المساجد الأولى التي أخذت طابعا خاصا، جعل هذا المسجد العتيق جميلا ومميزا من حيث الزوايا والأبواب والأقواس المزركشة بألوان جميلة، ناهيك عن الهندسة المعمارية أما المئذنة فتنتصب على شكل هرمي مقطوع ذي قاعدة مربعة، وتسميته ترجع إلى صالح باي بن مصطفى المولود بإزمير الشرقية، والذي كان بايا على حامية الشرق، وهو الذي أمر ببناء مسجد في وسط هذه المدينة باعتبارها آنداك محجا للعلماء ومقصدا لدارسي القرآن.
وفي وسط المدينة كذلك نجد جامعا لعلماء الأندلس بالجزائر حيث تم تدشينه يوم 18 أغسطس 1912م. والزائر لهذا المسجد العتيق يظهر له للوهلة الأولى كأنه اختصر المسافات وزار مساجد الأندلس العتيقة، حتى الناعورة التي تتوسط الجامع تتميز بفسيفساء فريدة من نوعها فهي مرصعة بماء الذهب الخالص، ممزوجة بزخرفة إسلامية لا نظير لها في العالم الإسلامي.
ولا يزال جامع الباي بعنابة، شرقي الجزائر، محافظا على مكوناته التي تظهر عبق الحضارات المتعاقبة عليه، فيتحول في شهر رمضان إلى فضاء ديني خاص بحلقات الذكر وتعليم القرآن.
وإلى جنوب الجزائر الكبير وبالضبط أقصاه في مدينة تمنراست، نجد المسجد العتيق، وهو أقدم وأول مسجد في تمنراست أسس سنة 1917م .