مسجد المغرب.. جوهرة معمارية إندلسية تتلألأ في قلب نواكشوط
يعد المسجد المغربي بنواكشوط، المعروف أيضًا باسم مسجد الحسن الثاني، هو مسجد يقع في نواكشوط، عاصمة موريتانيا.
تم بناء المسجد عام 1964 بدعم من المملكة المغربية، ويعد المسجد أحد أكبر المساجد في موريتانيا، حيث يتسع لأكثر من 25000 مصلٍّ، ويتميز المسجد بتصميمه المعماري المغربي، الذي يتضمن قبة خضراء ومئذنة عالية.
يتواجد مسجد المغرب في قلب العاصمة نواكشوط، حيث يلتقي أربع مقاطعات رئيسية: السبخة، والميناء، وتفرغ زينة، ولكصر. كما يقع المسجد بالقرب من ثلاثة أسواق رئيسية: سوق الخضروات، وسوق الحبوب، وسوق الحديد المتخصص بمنتجات البناء، مثل مشغولات اللحام والنجارة.
يُعزز موقع المسجد المميز وجوده بين معلمين ثقافيين هامين، دار الشباب الجديدة، والتي تقع جنوب المسجد، مما يجعلها وجهة مثالية للشباب لممارسة الأنشطة الرياضية والثقافية، والمركز الثقافي المغربي يقع شرق المسجد، مما يُثري المنطقة بتبادل ثقافي بين موريتانيا والمغرب.
وقد بدأت قصة بناء مسجد المغرب في نهاية السبعينات من القرن الماضي عندما أمر الملك الحسن الثاني رحمه الله ببناء هذا المسجد الذي هو هدية روحية ومعلمة تاريخية ومعمارية في عاصمة أحفاد المرابطين.
في البداية فاجأت عمارة المسجد الجمهور الموريتاني الذي كان متعوداً على البيوت التقليدية، وقد بدا المسجد ملفتا للانتباه لجماله العمراني فهو يحمل ريحا من الأندلس بما طرزته به أيدي المهندسين المعماريين المغاربة من فسيفساء ونقوش وزخارف جعلت هذا المسجد لدى البعض أيقونة معمارية لا تصلح للصلاة لأنها تشغل المصلين بالتأمل في الزخارف والنقوش بدل التركيز على الصلاة. لكن ذلك لم يتجاوز عددا من المتزمتين التقليديين، بينما أقبل الموريتانيون على مسجدهم الجديد متمتعين بالجمال الروحي لعبادة الله تبارك وتعالى في هذا المكان الجميل.
ثم بدأت إثارة موضوع آخر من طرف بعض رواد المسجد وهو قرب هذا المسجد من دار الشباب الجديدة ما عنى لبعض المتزمتين أيضا أن المسجد بني في مكان قريب من مكان سوء بما فيه من غناء وتمثيل وقصائد شعر، كما أن رواداً آخرين لم يستحسنوا ما يعرضه المركز الثقافي المجاور من فنون تشكيلية وأماس ثقافية.
لكن لم يتجاوز ذلك رأي أقلية الناس.. أما أغلبيتهم فاعتبرت أن وجود المسجد بين معلمين ثقافيين عصريين هو عناق أصيل بين الدين الإسلامي وبين العلم والثقافة والفن والتسامح وحرية التعبير وكل مفردات الحضارة.
لكن هذا الموقع الاستراتيجي لمسجد المغرب ربما أضر بدوره لاحقا خاصة منذ نهاية التسعينات، وقد بدأت الحكاية عندما اقترح بعض التجار على البلدية والسلطات السماح لهم بإقامة محلات تجارية على الطرق المقابلة للمسجد على أن يدفعوا إيجارات عن تلك المحلات. وبعد فترة وجيزة سدت تلك المحلات التجارية الرؤية بين المارة في الشارع وبين المسجد باستثناء جزئه العلوي، لكن الأخطر أنها أغلقت الطرق المؤدية للأبواب الغربية للمسجد وهي الأبواب التي كان يأتي منها أكبر عدد من المصلين في المسجد.
ولم يتأخر المصلون والجهات الراعية للمسجد في رفع الشكوى من هذا الواقع، ثم استجابت السلطات ممثلة في عمدة نواكشوط الحالي أحمد ولد حمزة الذي أمر السنة الماضية 2008 بهدم كل البنايات التي أقيمت بين المسجد وبين الشارع العام، وقد حاول بعض التجار الجشعين الاعتراض على هذا القرار لكن السلطات لم تترك لهم فرصة فقد أحضرت جرافة لإزالة تلك المتاجر وأعطت مهلة قصيرة لإزالة البضائع والرحيل وهو ما حدث.
وهكذا عاد مسجد المغرب بإطلالته الجميلة المريحة للقلب والعين عاد قريبا من المارة والعاملين في الشارع الرئيسي بنواكشوط والأسواق المجاورة والذين يمثل هذا المسجد فرصة لهم لأداء الصلاة جماعة والاستمتاع بالمحاضرات الدينية والدروس الفقهية.
ويعتبر إمام هذا المسجد أحد اشهر أئمة البلاد وهو الإمام الفاضل عبد العزيز سي الذي اشتهر عند الموريتانيين بخدمته الجليلة للدعوة الإسلامية خاصة في أوساط المنحدرين من أصول إفريقية، بل إن الإشعاع الدعوي لهذا الإمام تجاوز موريتانيا إلى دول أخرى وخاصة في غرب القارة الإفريقية.
قدم مسجد المغرب منذ بنائه دورا رائدا في نشر الصحوة الإسلامية الصحيحة، كما كان ملتقى للعلماء والطلاب وجمهور المصلين وخاصة للاستمتاع بتلك الدروس والمحاضرات العلمية الرائعة التي قدمها أئمة وفقهاء وباحثون إسلاميون واستفاد منها الآلاف في تصحيح عقيدتهم وتوسيع معارفهم ورؤيتهم للأحكام الشرعية ولسبل خدمة الإسلام والمسلمين.
كما كان المسجد في فترات عدة موطنا لهذه الجماعة الإسلامية أو تلك وإن غلبت على أنشطته في السنوات الأخيرة الأنشطة التي تقوم بها الجماعة المعروفة بجماعة الدعوة والتبليغ، لكن مسجد المغرب كأغلب مساجد العاصمة نواكشوط مسجد للجميع من أقصى المنفتحين إلى أقصى المتشددين. أما الجميل في هذا فهو أن مسجد المغرب بقي للصلاة أولا وثانيا للتدريس والتفقه في الدين وأصوله وثالثا منبرا لتبادل الآراء في مختلف شؤون الدين والحياة.
مبنى مسجد المغرب تم استيحاؤه من فن العمارة المغربي الأندلسي ويتمتع المسجد بمنارة عالية بارتفاع عدة أمتار، وقاعة رئيسية للصلاة تحتل الجزء الأكبر من المسجد، ومنبر ورواق دائري يمثل مكاناً فسيحاً لمرور المصلين من وإلى المسجد إضافة إلى الملحقات الأخرى.
وتتميز البناية عامة بنقوش وزخارف وألوان خضراء وفسيفساء حجرية ورخامية روعي في وضعها الذوق الإسلامي بحيث يشعر المصلي والزائر باحترام المكان والإحساس الذي يبعثه بالطمأنينة في النفس.