الإسلام في بوروندي.. تاريخ الانتشار ودور الدين في المجتمع المعاصر
تعد دولة بوروندي واحدة من الدول الإفريقية التي شهدت انتشار الإسلام على مر العصور، وقد تأثرت بمجموعة من العوامل التاريخية والثقافية والاقتصادية التي ساهمت في نمو المجتمع الإسلامي في البلاد.
من أسباب انتشار الإسلام في بوروندي نشاط الدعاة، من الموظفين وغير الموظفين، من طلبة العلم الذين تحمسوا لنشر هذا الحقّ بين الناس، من حين دخول الإسلام هذا البلد وهذه الأنشطة مستمرة، يتوارثها جيل عن جيل بفضل الله تعالى؛ لهذا قال أهل العلم بأنّ الإسلام له ذاتية خاصة، وله جاذبية طبيعية ينتشر بها، ولا يرتبط بالأشخاص، مع قيام بعض الناس بالدعوة إليه، وهذا من أسباب انتشار الإسلام في بوروندي، هذا النشاط الدعوي الحيّ منذ عهد الاستعمار إلى الوقت الحاضر.
التعليم من الأسباب التي أدت إلى انتشار الإسلام في بوروندي بشكل كبير، يقول الشيخ محمود شاكر: «وقد لوحظ أنّ معلمي المدارس من السواحلية يقومون بنشاط حيّ وناجح في نشر الدعوة بين الأهالي»، حماية لأبناء المسلمين من المدّ التنصيري، ولمّا كانت الدعوة الإسلامية لا تقوم إلا على بصيرة وعلم، كما قال تعالى: ﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف : 108]، كان التعليم من الأسباب الرئيسة في انتشار الإسلام في بوروندي، من تاريخ دخول الإسلام إلى الوقت الحاضر، حيث كانت الكتاتيب منتشرة في البلد.
حركة التوسع العمراني تعدّ من الأسباب التي ساعدت على انتشار الإسلام في بوروندي، فكم من مناطق كان دعاة الإسلام لا يستطيعون الوصول إليها، وفي هذا يقول المؤرخ فضيلة الشيخ محمود شاكر: «وقد سايرت حركة التوسع في نشر الدعوة هذه – بصفة خاصة – السكك الحديدية، والطرق التجارية الكبيرة، والمشروعات الاستصلاحية التي قامت، فانتشرت في خط مستقيم عبر إفريقية الشرقية الألمانية، حتى حدودها الغربية على بحيرة (تنجانيكا) وبلاد (رواندا) و (بوروندي)، وكان الذين قاموا بنشر هذه الدعوة من التجار، وبخاصة أهالي الساحل والجنود وموظفو الحكومة» .
وقد ساعدت حركة التوسع العمراني على نشر الدعوة الإسلامية في جميع مدن بوروندي، حيث يمكن الجزم الآن بأنه لا توجد مدينة من مدن بوروندي إلا وقد وصل دعاة الإسلام إليها؛ لدعوة أهلها إلى الإسلام، قبل أهلها الإسلام أو لم يقبلوا، أمّا القرى فهي بحاجة إلى جهود مضاعفة.
كان للتزاوج دور كبير في انتشار الإسلام في بوروندي في بداية دخول الإسلام، يقول د. عبدالرحمن زكي في كلمته التي ألقاها في معهد الدراسات الإسلامية في مصر، حول التأثير العربي على أفارقة شرق إفريقيا وما حولها، قال: «تطورت أحوال أهالي الساحل، فقد أخذ العرب بأيديهم في مسالك الحضارة، وأضفى الإسلام على حياة الذين اعتنقوه طابعاً اجتماعياً واضحاً، وكان التزاوج المستمر سبباً في ظهور جماعات كثيرة، خلطت دماؤهم العربية بالدماء الزنجية»، وما زال هذا الدور قائماً حتى وقتنا الحاضر، حيث يأتي الزواج سبباً في دخول بعض أفراد أسر من النصارى أو كلها في الإسلام، واستغل كثير من شباب بوروندي هذا السبب في الزواج من الأسر ذات الأغلبية النصرانية، حيث يشترطون على الفتاة النصرانية أن تدخل في الإسلام، ثم يتزوجها شاب مسلم، وهذا يحصل بكثرة، وينتشر الإسلام في تلك الأسرة بسبب هذا الزواج.
من أسباب انتشار الإسلام في بوروندي الانفتاح السياسي الجديد، يعيش شعب بوروندي في السنوات الأخيرة في أمن واستقرار نسبي، بعد فترة طويلة عاشت فيها البلاد في الحروب القبلية، ثم تحولت إلى الحروب السياسية، ونتجت عنها ظهور الأحزاب السياسية الكثيرة، كلها تتنافس على رئاسة البلاد، وأدى فوز حزب CNDD/FDD – الذي يضم في عضويته شخصيات إسلامية مرموقة – إلى نجاح كبير في انتشار الإسلام في بوروندي، حيث تولى رئاسة هذا الحزب أحد أفراد العائلة المسلمة المشهورة في البلاد، وانضم إلى ذلك اختياره لمساعديه في الحكومة التي رأسها حزبه، واختياره لوزيرين مسلمين في حكومته، وهما: وزير التربية والتعليم ووزير الإعلام، وغيرهما، وعدد من أمراء المناطق من المسلمين، كما دخل كثير من المجندين النصرانيين في الإسلام.