اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارون رئيس التحرير محمود نفادي
كيف نميز بين وسوسة الشيطان ودعوة النفس؟.. الدكتور علي جمعة يوضح مفتي الديار المصرية: تجديد الخطاب الديني هدفه استيعاب الواقع المتجدد برؤية حكيمة مدير الجامع الأزهر: الإسلام يدعو إلى الأمن والأمان والتمسك بالأحكام لتحقيق سعادة البشرية مفتي الديار المصرية لوفد برنامج الأغذية العالمي: مستعدون للتعاون في كل ما ينفع البشرية أمين ”البحوث الإسلامية”: الشريعة حرصت على البناء المثالي للأسرة بأسس اجتماعية سليمة بالقرآن والسنة.. الدكتور علي جمعة يكشف حكم زواج المسلمة من غير المسلم أمين مساعد البحوث الإسلامية: التدين ليس عبادة بالمساجد بل إصلاح وعمارة الكون الأوقاف المصرية: إيفاد سبعة أئمة إلى “تنزانيا والسنغال والبرازيل” «الإسلام وعصمة الدماء».. الجامع الأزهر يحذر من استباحة دماء المسلمين الأوقاف المصرية تعلن موضوع خطبة الجمعة القادمة.. ”أَنْتَ عِنْدَ اللهِ غَالٍ” حكم عسكري في غزة.. بين استراتيجيات الماضي ومخاطر المستقبل هل تصب تهديدات بوتين النووية في مصلحة ترامب؟

أسماء بنت أبي بكر.. ذات النطاقين وأم الخليفة الثائر

أسماء بنت أبي بكر
أسماء بنت أبي بكر

وُلدت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة، في مكة المكرمة، كانت أسن من عائشة بنت أبي بكر ببضع عشرة سنة، وأختها من أبيها، تزوجت من الزبير بن العوام، أحد كبار الصحابة، وأنجبت منه عبد الله بن الزبير، الذي بويع له بالخلافة بعد معركة الجمل، وعروة بن الزبير، وأم الحسن بنت الزبير، وغيرهم، وتوفيت أسماء بنت أبي بكر في مكة المكرمة سنة 692 م، عن عمر يناهز 100 عام.

كانت أسماء من السابقين الأولين في الإسلام، حيث أسلمت قديماً بمكة مع أخيها عبد الرحمن، بعد سبعة عشر نفساً فقط من دخول الإسلام، وثبتت على إيمانها رغم ما واجهته من أذى ومضايقات من قريش.

هاجرت أسماء إلى المدينة المنورة مع زوجها الزبير بن العوام، وهي مُتمّة حملها بعبد الله بن الزبير، فولدته بقباء في شوال سنة 1 هـ أو 2 هـ، وكان عبد الله أول مولود للمهاجرين في المدينة.

شاركت في غزوة بدر وغزوة أُحد وغزوة الخندق وغيرها من المعارك،و روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، و كانت سخية كريمة، تُنفق على المحتاجين والمساكين، وربّت أبناءها وأحفادها على مكارم الأخلاق وحب الإسلام.

حظيت أسماء بنت أبي بكر بمنزلة عظيمة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال عنها: "أسماء ذات النطاقين"، كما نالت مكانة مرموقة بين الصحابة، فكانت محبوبة وموقرة من الجميع.

عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى المدينة برفقة أبي بكر الصديق، مكثوا في غار ثور ثلاث ليال مختبئين من كفار قريش الذين تفرقوا بحثا عن النبي حين علموا برحيله. فجاء جد أسماء يستفسر إن ترك والدها مالا في البيت، وكان قد أخذ جميع ماله، فأشارت إليه ببعض الحجارة وقالت إن أباها ترك لها هذا المال. ثم جاء أبو جهل في نفر من قريش إلى بيت أبي بكر الصديق فسألوها عن أبيها، وأجابتهم أنها لا تدري، فضربها أبو جهل على وجهها فسقط منها قرطها.

وكانت مهمة أسماء في تلك الأيام إيصال الطعام إلى النبي وأبي بكر، وعندما أرادت أن تصنع لهما سفرة الطعام احتاجت إلى ما تشد به عليها، فشقت خمارها نصفين لبست أحدهما وربطت بالشق الثاني الطعام، وعندما عرف النبي قال لها: «أبدلك الله بنطاقك هذا نطاقين في الجنة»، فسميت بذات النطاقين. وهاجرت فيما بعد وهي حامل بعبد الله بن الزبير، وولدته بعد وصولها للمدينة لتضع أول مولود من المهاجرين، ثم حملته في خرقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فحنكه بتمرة وسماه عبد الله باسم أبيها، وأمر أبا بكر أن يؤذن في أذنيه.

واجهت "عمرو بن هشام"، فى اليوم التالى لهجرة والدها مع النبى من مكة إلى المدينة، ولطمها ـ أبوجهل الكافرـ لطمة على خدها، جعلت قرطها يسقط على الأرض، وواجهت "الحجاج بن يوسف الثقفى"، الذى أهانها بجارح القول ولم يراع فيها حرمة، وعاشت لحظة قاسية على قلبها وهى الأم العجوز، يوم قتل ولدها "عبدالله بن الزبير"، فهى التى غسلته وكفنته ودفنته، ومن قسوة المشهد، ماتت بعده بليال قليلة..

لما كنا فى المدرسة الابتدائية، نجحت المعلمة فى غرس صورة "أسماء بنت أبى بكر" فى عقولنا الصغيرة، فتصورتها فتاة سمراء تحمل ماعونا من الخوص، فيه الخبز واللبن وغير ذلك من الأطعمة، تمشى فى الليل، وتخاطر من أجل الوصول إلى النبى الأعظم ومعه صاحبه والدها "أبوبكر الصديق"، وفى مرة من مرات سيرها، اكتشفت أن الطعام يحتاج رباطا، ولم يكن معها سوى "النطاق" أو الحزام الذى تلفه حول جسدها، دلالة على أنها "آنسة" واختارت أن تربط وعاء الطعام الخاص بالنبى الأعظم، وعرضت نفسها للخطر، فالفتاة البدوية ذات النطاق، محمية به، والمرأة التى تسير وحدها بغير نطاق معرضة لفضول وفحش الساقطين من الرجال، ولكنها اختارت أن تربط طعام النبى تقربا لله وجهادا فى سبيل دعوته، وغامرت بسمعتها وحياتها وهى تؤمن بأن الله سوف يعوضها خيرا، وقال النبى صلى الله عليه وسلم لها لما رآها هكذا، ما معناه إن الله سوف يهبها نطاقين فى الجنة بدلا عن نطاقها الذى شقته، وهى ابنة الصديق "أبوبكر" الذى صدق رسول الله وتصدق فى سبيل الله، وشقيقة "عائشة" زوج رسول الله.

عقب موت النبى الأعظم، اختلف المسلمون فى سقيفة بنى ساعدة بالمدينة المنورة، حول اسم الحاكم الذى يخلف النبى الأعظم، وكان على بن أبى طالب والعباس بن عبدالمطلب مشغولين بتجهيز الجثمان الطاهر للدفن، ورفض المهاجرون ولاية الأنصار عليهم، وتفرقت السبل بالمسلمين، حتى جاء اليوم الذى كانت فيه ثلاثة كيانات تتصارع على السلطة، فى دمشق ومكة والمدينة المنورة، وكان من بين المتصارعين على السلطة "عبدالله بن الزبير" ولد "أسماء"، وكانت معه فى مكة، وضاق الخناق حول عنقه، وعرف أن بنى أمية لن يتركوه ليهنأ بالسلطة، فشكا همومه لوالدته المجاهدة، بقوله: يا أماه قد خذلنى الناس، حتى والدى وأهلى، ولم يبق معى إلا اليسير، ومن ليس عنده صبر ساعة، والقوم يعطوننى ما أردت فما رأيك؟

فقالت: أنت أعلم بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن رقبتك لمن يتلعب بها من بنى أمية، وإن كنت أردت الدنيا فبئس العبد أنت، أهلكت نفسك ومن قتل معك، وإن قلت "كنت على حق فلما وهن أصحابى ضعفت" فهذا ليس فعل الأحرار، ولا أهل الدين..

فقال لها: يا أماه أخاف إن قتلنى أهل الشام أن يمثلوا بى ويصلبونى .. فقالت يابنى إن الشاة لا تتألم بالسلخ إذا ذبحت فامض على بصيرتك واستعن بالله..

فقبل "عبدالله بن الزبير" رأس أمه "أسماء"، وانصرف عازما على مواصلة القتال، فلم تمض أيام حتى هجم جيش بنى أمية على مكة، وقاتل "عبدالله بن الزبير" قتالا عنيفا، وقتل فى "17 جمادى الأولى 73 هجرية"، وكانت "أسماء" ضريرة، وتقدمت بها السن، فأرسل لها "الحجاج بن يوسف" ورفضت المثول بين يديه، فجاء إليها وعنفها بكلام جارح.