الإفتاء تكشف حكم تأجير العين المستأجرة بعلم صاحبها
ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية، عبر موقعها الإلكتروني، حول حكم تأجير العين المستأجرة بعلم صاحبها، يقول فيه صاحبه، ما حكم إعادة تأجير العين المستأجرة بعلم صاحبها؟ فهناك رجلٌ يَعمل في تأجير الدراجاتِ الناريةِ في المصايف في فصل الصيف، لكن ليس لديه مالٌ ليشتري به تلك الدراجات التي يؤجِّرها، فيذهب إلى أحد الأشخاص الذين يملِكونها ويؤجِّرونها للغير، ويَعمل عقدَ إيجارٍ لعددٍ كبيرٍ منها لمدةٍ معينةٍ، ويستلمُها، ومِن ثَمَّ يؤجِّرها بثمنٍ أكثرَ مما استأجرها به، وفرق ثمن الإجارة الأُولى والثانية هو رِبحُه في هذا العمل، والمالِك الذي يستأجِرُ منه يَعلم أنه يفعلُ ذلك، فهل هذا جائز شرعًا؟
وأجابت دار الإفتاء المصرية على السؤال، قائلة: "يجوز شرعًا لمستأجر الدرَّاجات النارية من مالكها أن يؤجِّرها في المصايف بأجرةٍ زائدةٍ عنِ الثمنِ الذي استأجَرَها به أوَّلًا، ويأخذ هذه الزيادة على سبيل الربح له، ما دام أن المالِك على علم بهذا التصرُّف منه أو لَمْ يَتَّفِقَا على خلاف ذلك".
وأوضحت دار الإفتاء أنه شَرَع اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الإِجَارَةَ؛ لحاجة الناس الشديدة إليها، إذ قد لا يَقْدِرُ بعضُ الناس على شراء كلِّ ما يريد، فَيَسْتَعِينُ على ذلك بِالإِجَارَةِ التي تُمَكِّنُهُ من الانتفاع بالشيء دون الحاجةِ إلى شرائِه، كما أنَّ بعض النَّاس مِن أصحاب الأملاك ليسوا في حاجةٍ إلى استخدام بعض أملاكهم، فيقومون بتأجيرها والانتفاعِ بالأُجرةِ، فأباحها الشرعُ؛ لِمَا فيها من تيسيرِ أمورِ الناسِ، وقضاءِ مصالحهم، وتبادُلِ المنافع فيما بينهم.
وأشارت دار الإفتاء، إلى أن الإِجَارَةُ في اللغة: ما أُعْطِيَتْ من أجرٍ في عملٍ، كما في "العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي (6/ 173، أ ج ر، ط. دار الهلال).
وأضافت أنه شرعًا: بَيْعُ منفعةٍ معلومةٍ بأجرٍ معلومٍ. يُنظر: "تبيين الحقائق" للإمام فخر الدين الزَّيْلَعِي الحنفي (5/ 105، ط. الأميرية)، و"المختصر الفقهي" للإمام ابن عَرَفَة المالكي (8/ 159، ط. مؤسسة خلف)، و"مغني المحتاج" للإمام شمس الدين الخطيب الشِّرْبِينِي الشافعي (3/ 438، ط. دار الكتب العلمية)، و"كشاف القناع" للإمام أبي السعادات البُهُوتِي الحنبلي (3/ 642، ط. دار الكتب العلمية).
وأكدت دار الإفتاء الأصلُ في جوازها ومشروعيتها قولُ الله سبحانه وتعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [الطلاق: 6]، وعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا» أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه".
وتابعت أجمَعَ أهلُ العلم على جواز الإِجَارَةِ، كما في "المغني" للإمام ابن قُدَامَة (5/ 321، ط. مكتبة القاهرة).
وأضافت دارالإفتاء، أن الصورةُ المسؤولُ عنها -مِن تأجيرِ العينِ المُسْتَأجَرَةِ (الدرَّاجات النارية) مع زيادةِ ثَمَنِ الأجرةِ الثانيةِ- جائزةٌ شرعًا عند جمهور الفقهاء مِن الحنفيةِ والمالكيةِ والشافعيةِ، والحنابلة في الأصح، والقول بالجواز هو المروي كذلك عن سعيد بن المُسَيِّب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، والنخعي، والشعبي، ومجاهد، وعكرمة، وابن سيرين، والثوري.
أشارت إلى جواز التأجير أنَّ المُسْتَأجر امتلك بالإجارة الأُولى منفعةَ العينِ المُسْتَأجَرَةِ، والمِلْكُ كما يقع على العين فإنه يقع كذلك على المنفعة، والِملْكُ هنا واقعٌ على المنفعة، فجاز له أنْ يتصرف فيها، وتأجيرُها إنَّما هو نوعُ تصرفٍ يدخل ضمن التصرفات المأذون له فيها باعتباره مُسْتَأجِرًا مالكًا للمنفعةِ، كما أنَّه لَمَّا كان المستأجِرُ مالكًا للمنفعة، جاز له أن يستوفيها بنفسه ونائبه، ولَمَّا كانت الإجارة إنما هي لتمليك المنفعة، صحَّتِ الإجارةُ الأُولى مِن صاحب العين المستأجَرة؛ لأنه يَملِك المنفعةَ، فجاز كذلك للمستأجِر تأجيرُ العين المستأجَرة؛ لأنَّه المالكُ للمنفعة حينئذٍ، علاوةً على ذلك فإن الإجارة كالبيع، وبيعُ المبيع جائزٌ بعد قبضه، فكذلك إجارةُ العين المُسْتَأجَرةِ تجوز بعد القبض، ما لم يتفق العاقدان على غير ذلك، أو يترتب على الإيجار الثاني ضررٌ بالعين المستأجَرة.