ميثاق ليبتاكو-غورما.. خطوة نحو تعاون أمني إقليمي فعال أم مجرد مبادرة رمزية؟
يُعد ميثاق ليبتاكو-غورما، الذي تم توقيعه في سبتمبر 2023 من قبل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، إطارًا جديدًا للتعاون الأمني والدفاعي في منطقة الساحل الأفريقي. يهدف الميثاق إلى التصدي للجماعات المسلحة غير الحكومية والجريمة المنظمة والتهديدات الأمنية الأخرى التي تواجهها الدول الثلاث.
ومع ذلك، يواجه ميثاق ليبتاكو-غورما العديد من التحديات التي قد تعيق قدرته على تحقيق أهدافه. سأقوم في هذا البحث بتحليل نقدي لهذه التحديات وتقييم مدى إمكانية التغلب عليها.
اتخذت مالي والنيجر وبوركينا فاسو قرارًا مشتركًا يشير إلى رغبتهم في تعزيز التقارب بينهم، وأعلنوا، الأربعاء 6 مارس 2024م، عن إنشاء قوة عسكرية مشتركة لمحاربة الانفلات الأمني الذي تواجهه الدول الثلاث منذ عدة سنوات.. جاء ذلك خلال اجتماع عُقِدَ في نيامي.
ووفقًا للجنرال موسى سالاو بارمو، رئيس أركان القوات المسلحة النيجرية؛ فإن القوة المشتركة للدول الثلاث التي تشكل تحالف دول الساحل “ستبدأ العمل في أقرب وقت ممكن لتأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية في المنطقة”.
وتعتزم الدول الثلاث -التي قادتها القوات المسلحة في أعقاب الانقلابات العسكرية- من خلال هذه القوة المشتركة “تهيئة الظروف لتعزيز الأمن والدفاع المشترك”؛ وفقًا للبيان الصحفي الذي خرج عن الاجتماع الذي شارك فيه رؤساء الأركان العامة للجيوش في كلٍّ من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
ويشار أيضًا إلى أنه سيتم تطوير وسائل وآليات تحقيق الأهداف الدفاعية والأمنية المشتركة على مستوى دول AES. لكنّ التحديات الأمنية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو لا تزال قائمة والهجمات المسلحة متكررة.
في إطار تكوين تحالف دول الساحل، اتفقت مالي والنيجر وبوركينا فاسو في 16 سبتمبر 2023م على إبرام اتفاق للدفاع المشترك. وجاء ذلك في سياق تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بالتدخل عسكريًّا في النيجر عندما رفض المجلس العسكري -الذي نفذ الانقلاب في يوليو 2023م- إعادة النظام الدستوري والإفراج عن “محمد بازوم”.
التحالف الذي أعلنته السلطات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو هو جزء من ميثاق ليبتاكو-غورما الذي أنشأ تحالف دول الساحل في سبتمبر 2023م.
وتنص المادة 6 من الميثاق على الهيكل الجديد للأمن الجماعي، والدفاع المشترك ضد أيّ هجوم أو تهديد ضد سيادة أي دولة عضو في التحالف.
وتواجه هذه البلدان عدوًّا منتشرًا وخفيًا، غالبًا ما يكون مختبئًا بين السكان على حافة الحدود، الذين يستغلون سهولة اختراقها، ويقومون بأعمال عنف تؤدي إلى زعزعة الاستقرار، كما يقول المحلل الأمني في غرب إفريقيا. فيما يرى عمر باه “أن محاربة الإرهاب تحدٍّ كبير”، مشيرًا إلى أن الدول الكبرى لن تثبت العكس.
لكنه يؤكد أن الإرادة السياسية والإستراتيجية ليست غائبة لدى القادة العسكريين في الدول الثلاث، “نأمل أن تتمكّن الأشهر المقبلة من إخبارنا المزيد عن الفعالية التشغيلية النسبية أو غير ذلك لهذه القوة المشتركة الجديدة”.
ويتابع قائلًا: سيتم الحكم على هذه القوة على الأرض، وسنرى ما إذا كانت ستتمكن من الحد بشكل كبير من الهجمات الإرهابية أم لا. وأضاف “سنرى ما إذا كان بإمكانها تحقيق الاستقرار المستدام في المنطقة وتأمين السكان واستعادة سلامة وسلطة الولايات”.
وبصرف النظر عن هذه الجوانب، ستواجه دول AES أيضًا تحديات مرتبطة بالموارد المالية، وفقًا لمامادو أدجي، مستشار حالات الطوارئ السابق لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في رئاسة جمهورية السنغال.
وشدَّد على أن “التحدي المالي يرجع إلى جفاف الموارد المالية التقليدية مع انسحاب الأمم المتحدة وفرنسا والدول التي قدمت الدعم المالي، لا سيما مجموعة دول الساحل الخمس”.
وتُعوّل هذه الدول الآن على الدعم الروسي لمواجهة هذه التحديات. لكنهم يواجهون أيضًا تحديات لوجستية. ووفقًا لـ أدجي؛ فإن المساعدات الروسية غير متجانسة مع الآليات والأسلحة الموجودة. وأضاف: “هذه الدول لديها معدات فرنسية وتدريب فرنسي… وبدعم من الروس ستنشأ مشكلة قابلية التشغيل”.
لا يزال الوضع الأمني، في الوقت الراهن، محفوفًا بالمخاطر في بعض ولايات منطقة الساحل، التي تسيطر هذه الجماعات المسلحة على أجزاء محددة من أراضيها.
ووفقًا للسيد عمر باه، فإن تحقيق الاستقرار في المنطقة أمر ممكن. ولكنها لن تكون مستدامة إلا عندما تعمل هذه الأنظمة على تصحيح عجزها الديمقراطي، “هذه أنظمة مدنية عسكرية”، وشدد على أن شرعيتهم الديمقراطية لا تزال تعاني من نقص معين في إضفاء الشرعية على الانتخابات الحرة والديمقراطية والصادقة والشفافة والشاملة.
وعليه، فإن العودة إلى النظام الدستوري من خلال صناديق الاقتراع الشفافة التي تلبّي المعايير والمقاييس الإفريقية والدولية هي أحد مفاتيح الاستقرار الدائم ومصداقية هذه الأنظمة؛ بحسب قوله.
إن التحديات الاقتصادية، والفقر، وعدم المساواة الاجتماعية، وعدم الاستقرار، والجفاف، والإرهاب، كلها تحديات يجب أن يواجهها هذا الاستقرار ليتناسب مع القوى الوطنية التي تتبنَّى الرؤية ذات الأولوية المتمثلة في تحقيق الاستقرار.
وتبلغ مساحة منطقة الساحل أكثر من 2.780.000 كيلومتر مربع، وتضم دولًا عملاقة ذات مساحات شاسعة، وذات حدود يسهل اختراقها. ويصر عمر باه على أن “AES ستحتاج إلى أن تكون قادرة على إيجاد “اتفاق مكتمل” يُنهي الإشكالات العالقة مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا؛ حتى تتمكن من التفاوض على خروجها، وتكون قادرة على إيجاد ترتيبات مربحة لمختلف مؤسساتنا ومكونات الدولة”.
ويحذر من أنه إذا لم تفعل منطقة الساحل ذلك؛ فإنها تخاطر بالمزيد من زعزعة الاستقرار مع الطفرة في أعمال العنف، وتعدُّد محاولات الانقلابات في خضم الفترات الانتقالية. وأضاف: “أعتقد أن تحقيق الاستقرار الدائم في منطقة الساحل لا يمكن أن ينجح بشكل أساسي إذا كانت إفريقيا تتبع منطق عدم الثقة المتبادل بين هذه الدول المختلفة وهذه المنظمات المختلفة، وإذا لم يكن للسكان الحق في أن يكون لهم رأي في اختيار مصيرهم”. ويؤكد على أن يكون اختيار “المصير بطريقة حرة وديمقراطية وشفافة”.