من الفتوحات إلى الاندماج.. المراحل التاريخية لهجرة المسلمين إلى أوروبا
تعتبر هجرة المسلمين إلى أوروبا ظاهرة تاريخية طويلة الأمد تمتد على مدار قرون عديدة، كانت هذه الهجرات نتيجة لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية متنوعة، وقد أثرت بشكل كبير على تاريخ القارة الأوروبية وتطورها على مر العصور.
في السطور التالية سنعرض بداية الهجرات المسلمين على مر العصور والعوامل التي ساعدت على توسيع الوجود الاسلامي في الدول الغربية:
كانت بداية هجرات المسلمين إلى أوروبا منذ القرن السابع الميلادي مع الفتوحات الإسلامية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وشملت هذه الهجرات المبكرة الغزو العربي لشبه الجزيرة الأيبيرية في القرن الثامن الميلادي، والذي أدى إلى إنشاء إمارات إسلامية في الأندلس استمرت قرابة ثمانية قرون.
كما شملت الهجرات المسلمة إلى جنوب إيطاليا والجزر الإيطالية خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين.
وفي القرنين الرابع عشر والخامس عشر، انتشر الإسلام في منطقة البلقان وشرق أوروبا بعد سقوط الإمبراطورية البيزنطية تحت الحكم العثماني، وشهدت هذه المناطق موجات هجرية مسلمة جديدة، ليس فقط من الفاتحين العثمانيين ولكن أيضًا من اللاجئين المسلمين من الأندلس الذين هربوا من الاضطهاد الأسباني.
دخل الأسطول العربي لأول مرة بحر الادرياتيك في القرن العاشر الميلادي وذلك في مهمات تجارية واستطلاعية، حيث قد عقد قادة الأسطول (اتفاقيات تعاون وحماية مشتركة مع امارة دوبروفنك) وهي اليوم مدينة كرواتية اثرية شهيرة
تقع على الشواطيء الجنوبية من الادرياتيك.
ومن الدلائل التي تشير إلى أن
العرب - عبر جزيرة صقلية - قد دخلو المدينة - دوبروفنك لفترة قصيرة وذلك لتأديب القراصنة الذين كانوا ينطلقون من تلك المدينة لنهب الأساطيل التجارية في عرض البحر، بحسب وكالة الأنباء الكويتة.
مكثوا العرب في المدينة مدة خمسين يوما فقط، ما لبثوا ان تركوها بعد توقيع اتفاقيات عدم اعتداء تطورت مع الزمن لتتحول إلى علاقات تعاون تجاري وتبادل للخبرات والمنفعة المشتركة.
مما دفع الأسطول العربي بتدريب عشرات من البحارة الشبان من منطقة وسط وجنوب الادرياتيك، ما لبثوا ان دخلوا أعالي البحار وفي أعماق البحر الأبيض المتوسط بل ان معظهم ظل في صقلية أو رحل مع الأساطيل العربية إلى بلاد الشرق.
أثبت المؤرخ الاسلامي باشيتش بان نسبة عالية من سكان المناطق الساحلية قد اعتنقت الدين الاسلامي لكن علاقاتهم مع التجار العرب المسلمين قد اضمحلت مع اندحار العرب نهائيا من اسبانيا، ومن ثم من صقلية، وبعد ان دخلت مناطق حوض بحر الادرياتيك تحت سيادة الإمارات الايطالية كامارة البندقية التي ساد نفوذها الادرياتيك كله تقريبا حتى القرن الثامن عشر الميلادي.
هجرات المسلمين إلى أوروبا الغربية في العصر الحديث:
أما الهجرات الكبرى في العصر الحديث فكانت بعد الحرب العالمية الثانية، مع حاجة أوروبا الى الأيدي العاملة، لسد النقص الشديد ، الذي خلفه مقتل ما يزيد عن ستين مليونا من البشر في تلك الحرب، حيث قام أرباب العمل لاستقدام عدد كبير من دول العالم الثالث، من ثم كانت تلك الهجرات الى فرنسا، من أبناء الشمال الافريقي العربي.
وفي بريطانيا من أبناء شبه القارة الهندية، وجنوب الجزيرة العربية كاليمن وعمان، كما ساهمت حرب الخليج الأولى والثانية ،الحروب الأهلية في الصومال، الحرب في البوسنة والهرسك ،العراق، في هجرة أعداد كبيرة أخرى الى أوروبا، خاصة الى بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا.
ومع تردي الأوضاع الاقتصادية في الدول العربية والاسلامية، زهدت الغالبية العظمى من العرب والمسلمين في أوروبا، في الرجوع الى بلدانهم، فنشأت أجيال جديدة، ولدت وترعرعت في ثقافة المجتمع الأوروبي.
واستقرت الغالبية العظمى من أبناء المسلمين، فاتسع وجودها ليشمل معظم الدول الأوروبية ، إن لم يكن جميعها، حتى لم تعد هناك مدينة كبيرة ولا صغيرة لا تضم عددا من المهاجرين.
وهناك عدة عوامل ساعدت على توسيع الوجود الاسلامي في الدول الغربية، بسبب عوامل دافعة من الدول الاسلامية ومن بين هذه العوامل:
-الهجرة للعمل: هاجر عدد من العرب والمسلمين الى غالبية الدول الغربية ، بحثا عن العمل ،هروبا من الفقر وتعدد المشاكل، فاستقروا في دول المهجر.
-الهجرة للدراسة: عرف الجزء الأخير من القرن العشرين، اقبالا كثيرا على الدراسة في الجامعات الأوروبية والأمريكية، فتابع الطلبة دراساتهم العليا، فساعدت الظروف والاغراءات المادية بتلك الدول ،على بقاء كثير من الطلبة المتخرجين واستقرارهم بها.
-هجرة الأدمغة: تشجع الدول الغربية المواهب المسلمة ،الى الهجرة اليها من أجل استغلال قدراتها العقلية والعلمية .
-اللجوء السياسي: عرفت العديد من الدول العربية والاسلامية اضطرابات سياسية وصراعات دموية ،مما دفع بعدد من أبنائها الى مغادرة وطنهم.
-التكاثر في المهجر : ولد كثير من العرب والمسلمين ،نتيجة وجود أوليائهم بأرض المهجر، فأصبحوا مواطنين كاملي الحقوق في الدول التي ولدوا بها.
-الزواج المختلط: أدى عبور بعض العرب والمسلمين بأمريكا، أو بإحدى الدول الغربية الى الزواج من مواطنات تلك الدول، مماجعلهم يتحصلون على حق الاقامة والعمل والاستقرار.
-اعتناق الاسلام: اختلاط المسلمين بغيرهم، وارتباط كثير من الأحداث العالمية بالمسلمين ،أدى بكثير من الغربيين الى البحث في الاسلام والرغبة في التعرف على حقيقته، ما أدى الى الاقتناع بهذا الدين "الاسلام" واعتناقه مما أدى الى انتشاره في أوروبا وأمريكا.
على حسب مؤشرات بعض الغربيين ،أن نسبة اعتناق الاسلام ستزداد ارتفاعا في المجتمعات الأوروبية وبشكل رهيب ، بينما تشير البيانات الحالية إلى أن منحى الزيادة العددية للمسلمين ولأتباع طوائف دينية أخرى سيتواصل، حيث تثير هذه التغيرات العددية المتسارعة، المخاوف الأوروبيين من أتباع الكنائس وفي عدد من العواصم والمدن الأوروبية، ومع ضرورة الحذر من مسعى بعض الأوساط، وبعض الكتاب والباحثون أيضاً، ممن يتعاملون مع هذه المؤشرات.
أظهرت دراسة حديثة وضعتها مؤسسة (سويست) للأرشيف الإسلامي في ألمانيا أن أكثر من (4000) ألماني من ديانات وطوائف مختلفة تخلى عن دينه، واعتنق الإسلام ما بين شهر يوليو عام 2004 ويونيو عام 2005، أي أربعة أضعاف عدد عام 2003، أشارت الدراسة نفسها إلى أن أهم أسباب اعتناق الإسلام في السابق كان محصوراً بالنساء الألمانيات اللواتي يتزوجن من مسلمين، إلاّ أن الوضع تغير الآن، وأصبح اعتناق الإسلام لدى الرجال والنساء لأسباب أخرى منها البحث عن الهدوء النفسي والراحة الداخلية.
في دراسة أخرى وضعتها نفس المؤسسة أشارت إلى أن عدد المسيحيين الألمان الذين اعتنقوا الاسلام عام 2005 وصل إلى (1.152) ليصل عددهم الإجمالي إلى (13) ألفاً، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات لعدد معتنقي الإسلام لعام 2006 إلاّ أن المؤسسة تتوقع وصوله إلى (5000) مسلم. أما في فرنسا فقد أوردت صحيفة (لاكسبرس) الفرنسية تقريراً عن انتشار الإسلام بين الفرنسيين جاء فيه: "على الرغم من كافة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية مؤخرًا ضد الحجاب الإسلامي وضد كل رمز ديني في البلاد، أشارت الأرقام الرسمية الفرنسية إلى أن أعداد الفرنسيين الذين يدخلون في دين الله بلغت عشرات الآلاف مؤخرًا، وهو ما يعادل إسلام عشرة أشخاص يوميًا من ذوي الأصول الفرنسية، هذا خلاف عدد المسلمين الفعلي من المهاجرين ومن المسلمين القدامى في البلاد.
كما ورد في التقرير إلى أن عدد المعتنقين الجدد للإسلام من الفرنسيين يصل إلى(60) ألفا مؤخراً، سواء أولئك الذين أسلموا بدافع حبهم وإعجابهم بهذا الدين، أو بدافع البحث عن الهوية والبحث عن الذات، والكثير منهم من شباب المدن ومن طبقات المجتمع المختلفة.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية فقد نشرت صحيفة (نيويورك تايمز) مقالاً ذكرت فيه أن بعض الخبراء الأمريكيين يقدرون عدد الأمريكيين الذين يعتنقون الإسلام سنوياً بـ (25) ألف شخص، وأن عدد الذين يدخلون دين الله يوميا تضاعف أربع مرات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حسب تقديرات أوساط دينية، والمدهش أن أحد التقارير الأمريكية الذي حيث نُشر قبل أربع سنوات ،أن عدد معتنقي الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد بلغ أكثر من ثلاثين ألف مسلم ومسلمة.
ما أكده رئيس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكي، إذ قال: "إن أكثر من (24) ألف أمريكي قد اعتنقوا الإسلام، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو أعلى مستوى تَحقق في الولايات المتحدة منذ أن دخلها الإسلام".
فهناك توقعات أن المسلمين سيمثلون ربع سكان فرنسا ،بحلول عام 2020 بينما تشير تلك التوقعات، أنهم سيمثلون 20% من سكان أوروبا. احصائيات أخرى ترى أن المسلمين هم الأكثرية في أوروبا، كما ذكرت مجلة "جون افريك" الفرنسية ان للإمام النووي ، ينتشر في فرنسا ومعه ترجمة باللغة الفرنسية ، حقق مبيعات عالية جدا في المكتبات الفرنسية، بسبب اهتمام المسلمين لغير المسلمين بهذا الكتاب .
هناك زيادة في انتشار الإسلام في العالم هذا ما أكده رئيس لجنة إشهار الإسلام، بمشيخة الأزهر الشريف، أن هناك أكثر من مليون ومائتي ألف أجنبي أشهروا إسلامهم، خلال الأعوام العشرة الأخيرة. و الغالبية العظمى من المسلمين الجدد الذين أشهروا إسلامهم مؤخرا هم من أوروبا وتحديدا أوروبا الشرقية، حيث تأتي الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الثاني ثم أمريكا الجنوبية ثم دول شرق آسيا ثم إفريقيا.