السويد تدعو لتعزيز الدفاع الأوروبي.. هل أوروبا مستعدة لمرحلة ما بعد النفوذ الأمريكي في الناتو؟

وسط تنامي القلق الأوروبي من احتمالية تراجع الدعم الأمريكي، دعا وزير الدفاع السويدي، بول جونسون، الدول الأوروبية إلى تعزيز قدراتها الدفاعية داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) دون الاعتماد المطلق على واشنطن، مشدداً على أهمية الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية مثل الفضاء والأقمار الاصطناعية. تأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه أوروبا تحولات كبرى في سياساتها الدفاعية، مدفوعةً بتغيرات جيوسياسية متسارعة.
تعزيز الاستقلالية الدفاعية الأوروبية
في حديثه لصحيفة فاينانشال تايمز، أكد جونسون أن السويد، رغم شراكتها الدفاعية الوثيقة مع الولايات المتحدة، تسعى إلى تطوير قدراتها الذاتية في مجالات عدة، مشيراً إلى قاعدة كيرونا الصاروخية في شمال البلاد، وإطلاق أول قمر اصطناعي عسكري سويدي في أغسطس الماضي.
وأشار الوزير إلى أن تجربة الحرب في أوكرانيا كشفت عن الحاجة الملحة إلى امتلاك قاعدة صناعية دفاعية قوية لتعزيز الردع العسكري. وهو ما دفع السويد إلى رفع إنفاقها الدفاعي إلى 2.2% من ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2024، متجاوزةً الحد الأدنى المستهدف للناتو والبالغ 2%.
وأضاف جونسون أن الأسلحة السويدية التي تم إرسالها إلى أوكرانيا أثبتت كفاءتها العالية، حيث كانت سهلة التشغيل، ومصممة لمواجهة التقنيات الروسية، ما يعزز مكانة السويد كشريك دفاعي موثوق داخل الحلف.
التوسع في قطاع الفضاء وتطوير "الركيزة الأوروبية"
مع احتدام المنافسة في مجال الفضاء، تسعى السويد إلى تعزيز وجودها كفاعل رئيسي، حيث تنافس النرويج في تطوير صناعة فضائية متقدمة، وتمتلك قاعدة فضائية في كيرونا. ورغم أن أول قمر صناعي عسكري سويدي أُطلق من كاليفورنيا، فإن البلاد تهدف إلى تحقيق اكتفاء ذاتي في هذا المجال مستقبلاً.
وبشأن العلاقات الدفاعية مع الولايات المتحدة، وصف جونسون التعاون بأنه "طريق ذو اتجاهين"، مؤكداً رغبة السويد في مواصلة شراكتها الاستراتيجية مع واشنطن. لكنه في الوقت ذاته، شدد على أهمية تقوية "الركيزة الأوروبية" داخل الناتو، معتبرًا أن ذلك يتطلب تحديد أولويات واضحة وزيادة الإنفاق الدفاعي إلى ما يتجاوز 2%، بل وربما يصل إلى 5% كما اقترح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
تراجع الحضور الأمريكي في أوروبا.. هل أوروبا مستعدة؟
مع تصاعد الحديث عن مراجعة واشنطن لوضعها العسكري في أوروبا، أقر جونسون بإمكانية تقليص الحضور الأمريكي، مشيراً إلى أن السويد كانت تتوقع هذا السيناريو حتى قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، نظراً للتركيز الأمريكي المتزايد على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وخاصة في مواجهة النفوذ الصيني.
ورغم هذه التحديات، أكد جونسون أن انضمام بلاده إلى الناتو جعلها أكثر أمانًا، حيث أصبحت مشمولة بحماية المادة الخامسة للحلف، والتي تنص على الدفاع المشترك بين الأعضاء. كما أشار إلى أن السويد باتت مندمجة بعمق في تخطيط الدفاع المشترك للناتو، مما يعزز قدرتها على التعامل مع التهديدات المستقبلية.
نحو منظومة دفاعية أوروبية أكثر استقلالية؟
تأتي هذه التصريحات في وقت تواجه فيه أوروبا تحديات غير مسبوقة على الصعيد الأمني، مما يدفع الدول الأعضاء في الناتو إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الدفاعية. وبينما يبقى الدور الأمريكي محورياً، فإن تزايد الدعوات لتعزيز استقلالية الدفاع الأوروبي قد يعيد تشكيل موازين القوى داخل الحلف، ويفتح الباب أمام نموذج أمني جديد يعتمد على قدرات أوروبية أكثر تطورًا وفاعلية.
ويبقى السؤال: هل أوروبا جاهزة لمرحلة ما بعد النفوذ الأمريكي في الناتو؟