اتفاق المعادن بين أوكرانيا والولايات المتحدة.. شراكة استراتيجية أم تنازل سيادي؟

تشهد العلاقات بين أوكرانيا والولايات المتحدة تطوراً لافتاً في ظل المفاوضات الجارية حول اتفاق مرتقب يتيح للأخيرة الوصول إلى الموارد المعدنية الأوكرانية، في خطوة يُنظر إليها من عدة زوايا؛ فهي من جهة تمثل فرصة استثمارية محتملة ودعماً اقتصادياً في وجه الغزو الروسي، ومن جهة أخرى تثير تساؤلات حول السيادة الوطنية وملكية الموارد الطبيعية.
وفد أوكراني إلى واشنطن لبحث مسودة الاتفاق
كشفت مصادر أوكرانية مطلعة أن كييف سترسل هذا الأسبوع وفداً رسمياً إلى العاصمة الأمريكية، يضم ممثلين عن وزارات الاقتصاد والخارجية والعدل والمالية، لبدء مفاوضات مباشرة مع الجانب الأمريكي حول مسودة اتفاق جديدة قدمتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. وتهدف المسودة إلى تنظيم التعاون في مجال استثمار الموارد المعدنية الأوكرانية، وهي نسخة محدثة من اتفاق سابق تعثر توقيعه في وقت سابق من هذا العام.
تصريحات رسمية: مرحلة جديدة ومعقدة من العلاقات
أوضحت وزيرة الاقتصاد الأوكرانية، يوليا سفيريدينكو، أن الوثيقة الأمريكية الجديدة تُظهر نية واضحة لتأسيس صندوق أو كيان استثماري مشترك، مما يتطلب مفاوضات شخصية على أعلى المستويات، بعيداً عن اللقاءات الافتراضية. وأشارت إلى أن كييف بدأت بالفعل في اختيار مستشارين قانونيين واستثماريين، تمهيداً لما وصفته بـ"مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية"، تتطلب قدراً كبيراً من الحنكة والخبرة الفنية.
غموض حول بنود المسودة وهيكلية الصندوق
ورغم امتناع الحكومة الأوكرانية عن كشف تفاصيل التقييم الرسمي للمسودة، إلا أن سفيريدينكو أكدت أن الوثيقة الجديدة تقدم تصوراً أمريكياً أكثر وضوحاً لهيكلية الصندوق المقترح، وصلاحياته، وآلية عمله. وأضافت أن ما بيد كييف الآن هو "رؤية قانونية" من جانب وزارة الخزانة الأمريكية، وليست صيغة نهائية ملزمة، مما يفتح الباب لمفاوضات تقنية مفصلة.
خلافات وتوترات تعرقل التقدم
تأتي هذه التطورات في ظل خلفية من التوترات الدبلوماسية التي تصاعدت في فبراير الماضي، عندما فشل اجتماع رفيع المستوى في المكتب البيضاوي، جمع الرئيسين زيلينسكي وترامب، في التوصل إلى اتفاق إطاري. وتسربت عقب ذلك نسخة من المسودة الجديدة، أثارت جدلاً في الأوساط السياسية الأوكرانية، حيث وصفها منتقدون بأنها تمهيد لفقدان كييف السيطرة على مواردها السيادية، لا سيما وأنها تتضمن بنوداً تمتد لتشمل الغاز والنفط، وليس فقط المعادن النادرة.
الهيمنة مقابل الإعمار؟
النسخة المسربة من الاتفاق الإطاري السابق كانت قد اقترحت إنشاء صندوق استثماري مشترك بين البلدين، تديره جهات من الطرفين، على أن تساهم أوكرانيا فيه بنسبة 50% من العائدات المستقبلية لمواردها الطبيعية، بهدف تمويل جهود إعادة الإعمار. غير أن المسودة الحالية، حسب محللين، تُقلّص من الدور الأوكراني في إدارة الصندوق، مما يثير مخاوف بشأن فقدان السيطرة على الأصول الوطنية الحيوية.
مصالح استراتيجية وأبعاد جيوسياسية
من زاوية أمريكية، تندرج هذه الاتفاقات في سياق المنافسة العالمية على المعادن الاستراتيجية، مثل الليثيوم والتيتانيوم واليورانيوم، التي تُعد أساسية لصناعات المستقبل كالطاقة المتجددة والتقنيات الدفاعية. وتملك أوكرانيا احتياطات كبيرة من أكثر من 20 معدناً تُصنّف على أنها ذات "أهمية استراتيجية" بالنسبة للولايات المتحدة.
تواجه كييف تحدياً دقيقاً في الموازنة بين الحاجة إلى الدعم الدولي لإعادة بناء اقتصادها المنهك بفعل الحرب، وبين الحفاظ على سيادتها واستقلالها الاقتصادي. ومن المتوقع أن تكون الجولة القادمة من المفاوضات حاسمة في تحديد مستقبل هذه الشراكة، لا سيما في ظل اقتراب موسم الانتخابات الأمريكية، الذي قد يعيد تشكيل ملامح السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه حلفائها.