اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

ضحايا الكوليرا في جنوب السودان.. عندما تتحول سياسات المساعدات إلى أحكام بالموت

الكوليرا
الكوليرا

شهد جنوب السودان مأساة إنسانية تسلط الضوء على التداعيات الخطيرة لخفض المساعدات الخارجية، حيث أعلنت هيئة إنقاذ الطفولة البريطانية عن وفاة ثمانية أشخاص، بينهم خمسة أطفال، جراء إصابتهم بالكوليرا، أثناء محاولتهم السير لعدة ساعات للوصول إلى أقرب مركز صحي بعد توقف خدمات النقل والعلاج بسبب تقليص المساعدات الأميركية.

هذه الحادثة وقعت في مارس الماضي، وتُعد من أول الحالات التي تُعزى بشكل مباشر إلى قرار الإدارة الأميركية بتقليص دعمها لبرامج الإغاثة الإنسانية، في أعقاب تولي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مهامه في يناير. وقد تبنّت إدارته سياسة "أميركا أولاً"، التي شملت مراجعة شاملة للمِنح والمساعدات الخارجية، وتجميد التمويل الموجه لدول ومنظمات عدة، تحت ذريعة تقييم مدى توافق هذه المنح مع المصالح القومية الأميركية.


تداعيات كارثية على الأرض


بحسب كريستوفر نياماندي، مدير هيئة إنقاذ الطفولة في جنوب السودان، فإن هذه الوفيات المفجعة تمثل "صرخة ضمير عالمي"، داعيًا إلى محاسبة صناع القرار الذين تتسبب قراراتهم في معاناة الأبرياء، ولا سيما الأطفال. وأكد أن القرار الأميركي تسبب فعلياً في إغلاق سبع منشآت صحية بشكل كامل، وتقليص عمل 20 أخرى في ولاية جونقلي، وهي من أكثر المناطق احتياجاً للخدمات الصحية الأساسية.
انهيار سلاسل الدعم والرعاية
أدى وقف التمويل إلى تعطيل وسائل النقل الطبية التي كانت تنقل المرضى، ما أجبر المصابين بالكوليرا، ومنهم أطفال دون سن الخامسة، على السير لمسافات طويلة وسط درجات حرارة تصل إلى 40 مئوية، في محاولة يائسة للحصول على علاج، إلا أن الجهد المضني وانعدام الرعاية أدى إلى وفاتهم قبل الوصول.

موقف متباين من واشنطن


من جهتها، قالت وزارة الخارجية الأميركية إنها لا تملك معلومات محددة عن هذه الوفيات، وأشارت إلى أن بعض برامج المساعدات ما تزال نشطة، لكن المتحدث الرسمي أوضح أيضًا أن بعض أوجه الدعم الصحي قد استُغلت لـ"إثراء قادة البلاد الفاسدين"، مبررًا بذلك تقليص الدعم. وأكد أن الإدارة الأميركية "لن تطلب من دافعي الضرائب تمويل نظام سياسي غير مسؤول وفاسد"، في إشارة إلى حكومة جنوب السودان التي أقرت سابقًا بوجود فساد لكنها نفت التورط في ممارسات كسب غير مشروع.


منظمة الصحة العالمية تحذّر


في ظل هذا الوضع، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الكوليرا تفشّت في جنوب السودان منذ أكتوبر، وتم تسجيل أكثر من 22 ألف إصابة حتى مارس، تسببت في مئات الوفيات، ما ينذر بتفاقم الكارثة في حال استمرار شح التمويل وإغلاق المرافق الصحية.
تجسد هذه الحادثة كيف أن قرارات السياسات الخارجية، وإن اتُخذت من مراكز القوة العالمية، قد تكون لها تداعيات مميتة على الفئات الأكثر ضعفًا. ففي حالة جنوب السودان، لا يُعد خفض المساعدات مجرد إجراء بيروقراطي، بل حكمًا بالإعدام على الأطفال والأسر التي تعتمد كليًا على تلك الخدمات للبقاء على قيد الحياة.


ويبقى التحدي الأكبر أمام المجتمع الدولي هو التوفيق بين الاعتبارات السياسية والمبادئ الإنسانية، خاصة في الدول التي تعاني من أزمات مزمنة وضعف هياكل الحكم، حيث تكون المنظمات الإنسانية الدولية هي خط الدفاع الأول والأخير.

موضوعات متعلقة