توتر داخل إدارة ترامب.. صراع الصقور والانعزاليين يعيد تشكيل السياسة الأمريكية

كشفت أزمة "Signalgate" عن انقسام داخلي حاد داخل إدارة الرئيس دونالد ترامب، حيث برز صراع بين تيارين متباينين في الرؤية حول دور الولايات المتحدة في العالم: الصقور التقليديون الذين يؤمنون بحضور أمريكي قوي على الساحة الدولية، والانعزاليون الذين يسعون إلى تقليص التدخلات الخارجية والتركيز على الشؤون الداخلية.
جاي دي فانس وقيادة التيار الانعزالي
كان نائب الرئيس جاي دي فانس الصوت الأبرز في هذا الجدل، حيث عارض صراحةً الضربات الأمريكية ضد الحوثيين، مما أظهر مدى اتساع نفوذ التيار الانعزالي داخل البيت الأبيض. لم يكن موقف فانس مجرد رأي فردي، بل انعكاسًا لتحول أيديولوجي داخل التيار المحافظ الشعبوي، الذي تؤيده شخصيات بارزة مثل تاكر كارلسون وستيف بانون، ويردد صدى أفكاره قطاع واسع من قاعدة ترامب الانتخابية.
الانعزاليون، رغم تأييدهم التقليدي لدعم إسرائيل عسكريًا، باتوا يتبنون نهجًا أكثر حذرًا في مسألة المساعدات العسكرية، كما يتضح من دراسة حديثة لمعهد "هيريتج"، الذي يُعد مرجعًا فكريًا للإدارة، والتي دعت إلى تقليص المساعدات العسكرية لإسرائيل على مدى العقدين المقبلين وتحويل العلاقة إلى "شراكة استراتيجية" بدلاً من "علاقة خاصة". هذا الطرح قوبل بغضب شديد من الجانب الإسرائيلي، مما يعكس طبيعة التحولات الجارية داخل الإدارة الأمريكية.
إعادة ترتيب الأولويات
لم يعد التيار الانعزالي مجرد تيار هامشي داخل إدارة ترامب، بل أصبح له نفوذ مباشر داخل وزارة الدفاع، حيث يشغل شخصيات مثل إلبريدج كولبي مناصب رئيسية، ويمثلون توجه مؤسسة "Defense Priorities"، التي تدعو إلى تقليص الالتزامات العسكرية الخارجية وإعادة تركيز الجهود على قضايا الاقتصاد والحدود والتصنيع، إلى جانب مواجهة الصين.
ينعكس هذا النهج في رؤية المسؤولين الانعزاليين داخل البنتاغون تجاه الصراعات الخارجية، فهم يعارضون التدخل المباشر في الحرب في غزة، ويقفون ضد توجيه ضربات لإيران، ويرون أن التركيز على الصين يجب أن يكون في سياق تعزيز قوة تايوان وليس من خلال انخراط عسكري أمريكي مباشر ضد بكين.
تحول في مقاربة الشرق الأوسط
لطالما كانت السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تدور حول ضمان أمن إسرائيل والتدخل لحماية مصالحها، ولكن تصريحات فانس في مجموعة "سيجنال" كشفت عن تغير جوهري في هذه المقاربة. لأول مرة، يتم التشكيك في الدافع وراء التدخل الأمريكي ضد الحوثيين، حيث تساءل فانس علنًا: "ماذا ستكسب الولايات المتحدة من كل هذا؟"
هذا الطرح يتماشى مع خطاب ترامب الابن وتاكر كارلسون، الذين يرون أن واشنطن يجب أن تعيد تقييم أولوياتها في المنطقة، وعدم الانجرار وراء تدخلات لا تحقق منفعة مباشرة للأمريكيين. هذا التوجه يُعيد تعريف مبدأ "أميركا أولًا" ليشمل تقليص الانخراط في صراعات الشرق الأوسط، حتى لو كانت تلك الصراعات تمس إسرائيل.
الصقور في مواجهة العاصفة الانعزالية
في المقابل، لا يزال هناك تيار محافظ تقليدي داخل الإدارة، يقوده شخصيات مثل مايك والتز وجون راتكليف وماركو روبيو، يؤمنون بأن الشرق الأوسط يتطلب وجودًا أمريكيا قويًا، خاصةً في ظل عدم ثقتهم بقدرة إسرائيل على مواجهة التهديدات الإقليمية بمفردها. لكن هذا التيار بدأ يواجه تحديات داخلية غير مسبوقة، حيث بات يُنظر إليه من قبل أنصار ترامب الشعبويين على أنه يسعى لإعادة الولايات المتحدة إلى مغامرات عسكرية لا تخدم المصلحة الوطنية.
أزمة "Signalgate" أظهرت أيضًا أن الصراع بين الصقور والانعزاليين لم يعد مجرد خلاف استراتيجي، بل تحول إلى معركة سياسية داخل الإدارة. فحتى شخصيات مثل والتز، التي كانت تُعتبر من الموالين لنهج ترامب، أصبحت تواجه اتهامات من داخل معسكر "أميركا أولًا" بالسعي إلى توريط البلاد في نزاعات جديدة.
إعادة تعريف السياسة الأمريكية في عهد ترامب
ما يحدث داخل إدارة ترامب ليس مجرد خلاف داخلي، بل هو إعادة تشكيل جوهر السياسة الخارجية الأمريكية. بينما كان الصقور يهيمنون على صنع القرار لعقود، أصبح للانعزاليين اليوم نفوذ متزايد، وبدأوا بطرح رؤية جديدة تضع الأولويات الداخلية فوق كل اعتبار، حتى لو كان ذلك يعني تقليص الالتزامات تجاه الحلفاء التقليديين.
هذا الصراع، الذي تجلى بوضوح في الجدل حول استهداف الحوثيين، قد يكون مجرد مقدمة لتحولات أعمق في السياسة الأمريكية.