أطفال الحرب.. صرخات الأمل وسط ظلام التشوهات الخلقية في غزة
بعد شهور طويلة من الحمل، فوجئت السيدة حليمة عبيد عند ولادتها بأن طفلها يعاني من تشوهات خلقية، حيث لم تكتمل رئته. هذا الأمر استدعى تدخل الأطباء لوضعه في الحضانة لتقديم العناية الطبية المكثفة وإجراء الفحوصات اللازمة.
يعتبر الطفل عبيد (34 يوماً) واحداً من عدة أطفال ولدوا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، ويعانون من تشوهات خلقية تشمل مشاكل في الجمجمة أو القلب أو الرئتين.
أصيبت الفلسطينية حليمة عبيد، التي قصف الاحتلال منزلها وتعيش حالياً في خيمة بمنطقة المواصي غرب مدينة خان يونس، بالصدمة بعد معرفتها بإصابة مولودها الثالث بتشوهات خلقية.
قال عبيد في تصريح صحفي: "خلال فترة الحمل نزحت أكثر من 10 مرات، وفي كل مرة كنا نخرج هرولة مع قصف إسرائيلي لا يتوقف، واستنشاق غازات تلك الصواريخ".
أضافت عبيد: "كان الحمل صعباً، حيث لم يتوفر الطعام، وكنت كحال باقي سكان غزة أعاني من سوء تغذية، وغياب للرعاية الصحية، ولم أحصل على المكملات الغذائية أو الأدوية التي تحتاجها المرأة الحامل."
مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للعدوان على غزة، لا توجد دراسات دقيقة أو أبحاث علمية موثوقة ترصد الأعداد الحقيقية للمصابين بالتشوهات الخلقية. إلا أن الأطباء يُرجعون زيادة هذه الحالات بين المواليد الجدد إلى المواد السامة الناتجة عن كميات ضخمة من المتفجرات التي أُلقيت على القطاع بواسطة الطائرات الحربية الإسرائيلية.
تعرف منظمة الصحة العالمية التشوهات الخلقية على أنها حالات شذوذ بنيوي أو وظيفي تحدث للجنين داخل الرحم، ويمكن تحديدها قبل الولادة أو عند المولد، أو حتى قد لا تُكتشف إلا في مراحل لاحقة من الطفولة، مثل عيوب السمع. ويشير مصطلح "خلقيّة" عادة إلى وجود هذه التشوهات عند الولادة أو قبلها.
تُعزى أسباب التشوهات الخلقية، وفقًا للمنظمة، إلى تدني مستوى الدخل، حيث تزداد هذه الحالات بنسبة أعلى في الأوساط والبلدان التي تعاني من ضيق الموارد. وتُظهر تقديرات المنظمة أن حوالي 94% من الاضطرابات الخلقية الوخيمة تحدث في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وترتبط هذه المخاطر المرتفعة، كأحد المحددات غير المباشرة، بعدم توافر الكميات الكافية من الأطعمة المغذية للنساء الحوامل، وزيادة التعرض لعوامل مثل العدوى والكحول، بالإضافة إلى ضعف الوصول إلى الرعاية الصحية والفحوصات اللازمة.
تشير التقارير إلى أن بعض حالات التشوهات الخلقية تعود إلى عوامل بيئية مثل العدوى التي تصيب الأم، كأمراض الزهري والحصبة الألمانية وفيروس زيكا، بالإضافة إلى التعرض للإشعاع والملوثات. كذلك، تلعب عوامل التغذية دورًا مهمًا، حيث يساهم نقص العناصر الأساسية مثل اليود وحمض الفوليك، والأمراض المزمنة مثل السكري، وكذلك بعض الأدوية مثل الكحول والفينيتوين، في زيادة المخاطر، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، قصف جيش الاحتلال القطاع بآلاف الأطنان من المتفجرات، بما في ذلك قنابل الفوسفور الأبيض المحرمة دوليًا. وأفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بأن جيش الاحتلال أسقط أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات خلال هذه الحرب المستمرة منذ نحو عام. وقد استخدم الاحتلال مزيجًا متطورًا من المتفجرات يعرف بـ"آر دي إكس" (RDX)، والذي تفوق قوته على "تي إن تي".
وفقًا لتقييم دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، فإن مخلفات الحرب تتضمن مواد مشعة والفوسفور الأبيض والمعادن الثقيلة، مما قد يتسبب في أضرار بيئية وصحية جسيمة. وفي تقرير لـ"هيومن رايتس ووتش"، تم التحقق من استخدام جيش الاحتلال للفوسفور الأبيض خلال العمليات العسكرية في أكتوبر الماضي.
داخل مستشفى التحرير للنساء والولادة في خان يونس، أكد الطبيب ماهر كوارع أن حالات التشوهات الخلقية زادت بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى تزايد حالات الإجهاض الناتجة عنها. وأوضح كوارع أن هناك عدة أسباب لهذه الزيادة، منها ضعف الرعاية الصحية للنساء الحوامل، وعدم توفر الأدوية اللازمة مثل حمض الفوليك.
وأشار كوارع إلى أن المواد السامة الناتجة عن القصف قد تكون من العوامل المؤثرة في ارتفاع حالات التشوهات. كما أن سوء التغذية بين النساء الحوامل، وعدم توفر المياه النظيفة، ووجود مستنقعات الصرف الصحي، تسهم في تفاقم الوضع.
وخلص كوارع إلى أن التشوهات الخلقية التي يتعامل معها المستشفى تشمل عدم اكتمال نمو الجمجمة ومشاكل في القلب والرئتين، بالإضافة إلى حالات إجهاض نتيجة لهذه التشوهات، مما يعكس الأثر العميق للعدوان على صحة الأجيال الجديدة في غزة.