اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان.. انتصار مؤقت لأطراف متباينة في صراع معقد
في وقتٍ حساس، دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله حيز التنفيذ بعد شهور من التصعيد العسكري في جنوب لبنان. ورغم أن هذا الاتفاق يبدو بمثابة "فوز" لإسرائيل التي تمكنت من تقليص قوة حزب الله بشكل كبير، إلا أن الصحيفة البريطانية تليغراف أشارت إلى أن الصورة أكثر تعقيدًا من ذلك، حيث يصعب على إسرائيل إعلان نصر حاسم.
تعتقد الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي هو المستفيد الأكبر من هذا الاتفاق، رغم تكبده خسائر فادحة بما في ذلك مقتل أكثر من 50 جنديًا وتدمير كميات ضخمة من الذخيرة. ورغم هذه التضحيات، تمكنت إسرائيل من إضعاف حزب الله كقوة مسلحة كبيرة، حيث تم تقليص ترسانة الحزب من الصواريخ إلى النصف، ودمرت أنظمة الأنفاق التي كان يعتمد عليها الحزب في جنوب لبنان. كما تضررت أنظمة الحزب المالية والإمداد بشكل كبير.
لكن الصحيفة ترى أن الوضع لا يزال غامضًا بالنسبة لإسرائيل على المستوى الداخلي، خاصة في ظل عدم عودة نحو 60 ألف إسرائيلي نزحوا من المناطق الحدودية بعد بداية الهجوم. الجنرالات الإسرائيليون قد يعتبرون أن مهمتهم تم إنجازها بتقليص تهديد حزب الله، لكن بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم، يبدو أن النصر ليس مؤكداً. ووفقًا لآراء المعارضين السياسيين في إسرائيل، فإن "نصف المهمة" فقط تم إنجازه.
وتعكس استطلاعات الرأي أيضًا تباين الرأي العام الإسرائيلي حول اتفاق وقف إطلاق النار، حيث أظهرت إحدى الدراسات أن 20% فقط من ناخبي نتنياهو يساندون الاتفاق. كما عبر عدد من الشخصيات السياسية البارزة، مثل بيني غانتس ونفتالي بينيت، عن قلقهم من أن سحب القوات الإسرائيلية في هذه المرحلة قد يتيح لحزب الله فرصة لإعادة ترتيب صفوفه.
أما بالنسبة لحزب الله، فإن الاتفاق يمثل فرصة للبقاء السياسي والعسكري، إذ يظل الحزب على قيد الحياة رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدها في الهجوم الإسرائيلي. ويبدو أن الحزب سيواصل استخدام خطاب "المقاومة" لتبرير خسائره، مستفيدًا من تأكيد موقفه كقوة مستمرة في الساحة اللبنانية والإقليمية.
فيما يتعلق بالمجتمع الدولي، فإن إيران تعتبر أن هذا الاتفاق قد ضمن استمرار نفوذ حزب الله كأداة استراتيجية في المنطقة، بينما يرى الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الاتفاق يمثل انتصارًا للمفاوضين الأمريكيين في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، تعتبر تليغراف أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، قد يكون هو المستفيد الأكبر من هذه التطورات، حيث يعد "إنهاء الحروب" من أبرز وعوده الانتخابية، مما يعزز موقفه في سياق السياسة الخارجية الأمريكية.
من جهة أخرى، يشير الاتفاق إلى أن العودة إلى القرار 1701 الصادر عن الأمم المتحدة والذي أنهى حرب لبنان 2006، قد يوفر بعض الاستقرار في المنطقة، إذ يتطلب من حزب الله الانسحاب من جنوب نهر الليطاني، فيما تلتزم إسرائيل بعدم التحليق في المجال الجوي اللبناني. ورغم أن الاتفاق تحت مراقبة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، إلا أنه يظل محكومًا بموافقة البرلمان اللبناني، الذي يشكل حزب الله جزءًا من مكوناته.
وختامًا، يبدو أن الاتفاق الأخير، رغم ما يقدمه من مكاسب لكل الأطراف المعنية، يعكس واقعًا إقليميًا معقدًا، حيث لا يمكن تصنيفه كتسوية شاملة أو حلاً نهائيًا للأزمة القائمة.