هل يفتح تقدم أنصار سيف الإسلام القذافي في الانتخابات البلدية الطريق لعودتهم السياسية؟
أثارت نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة في ليبيا جدلاً واسعاً، خصوصاً بعد تصدر قوائم محسوبة على تيار العقيد الراحل معمر القذافي، مثل قوائم "إعمار" في مصراتة، و"الميزان" في بئر الأشهب، و"سواعد الوطن" في وادي عتبة. هذا التطور أعاد طرح تساؤلات حول ما إذا كان هذا الاستحقاق قد ساهم في تعزيز شعبية أنصار القذافي في الداخل الليبي.
وفي هذا السياق، أعلن سيف الإسلام القذافي عن "فوز ساحق" لأنصاره في الانتخابات، مشيراً إلى تقدم قوائمه في عدد من المدن الليبية. وقال إن هذا التقدم يعكس التفافاً شعبياً واسعاً حول تيار القذافي، وهو ما اعتبره مؤشراً على استعادة جزء من الشعبية التي كانت في عهد والده.
ردود الفعل الرسمية والمعارضة
لم تمر هذه النتائج دون ردود فعل سياسية حادة، حيث توعد رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، أنصار القذافي قائلاً: "لن تحكمونا"، في إشارة إلى محاولات أنصار القذافي العودة إلى الساحة السياسية. من جانبه، علّق المحلل السياسي الدكتور خالد محمد محمود الحجازي على هذه التطورات قائلاً إن نتائج الانتخابات البلدية تعد مؤشراً مهماً على التوجهات السياسية والاجتماعية في ليبيا. وأضاف أن تقدم تيار سيف الإسلام يعكس رغبة شرائح واسعة من الشعب الليبي في العودة إلى الاستقرار الذي شهدته البلاد خلال فترة حكم القذافي، رغم التحديات التي رافقت تلك الفترة.
وأشار الحجازي إلى أن ضعف المنافسة من قبل القوى السياسية الأخرى قد ساهم في تمكين قوائم أنصار القذافي من تحقيق هذا التقدم، وأن هذا النجاح يعزز من مكانة سيف الإسلام القذافي كلاعب سياسي رئيسي، لا سيما إذا ما تم التوجه نحو الانتخابات الرئاسية.
تحذيرات من مزيد من الاستقطاب
وتابع الحجازي مؤكداً أن تصريحات الدبيبة تعكس قلقاً من صعود التيار القذافي، وقد تساهم هذه المواقف في تعميق الانقسام داخل الساحة السياسية الليبية. هذا الانقسام تجسد في ردود فعل الجماهير التي هتفت لصالح سيف الإسلام في عدة مناسبات، آخرها في احتفالية للفروسية في طرابلس، حيث قوبل الهتاف بإطلاق الرصاص الحي من قبل بعض العناصر الأمنية.
وقال الحجازي إنه إذا استمرت القوائم المحسوبة على أنصار سيف الإسلام في تحقيق المزيد من النجاح، فقد يشكل ذلك تهديداً حقيقياً للتيارات السياسية الأخرى في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، ما قد يفتح الباب لعودة أقوى في مؤسسات الدولة.
المواقف الدولية والمحلية
من جانبه، أشار الحجازي إلى أن عودة أنصار القذافي قد تثير قلق بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي ترفض أي دور سياسي لسيف الإسلام القذافي، مما قد يفضي إلى تدخلات دولية جديدة لعرقلة صعوده السياسي.
وفي ختام تحليله، أكد الحجازي أن عودة أنصار سيف الإسلام إلى الواجهة السياسية تعكس تحولات كبيرة في المزاج الشعبي الليبي، مشيراً إلى أن القوى السياسية القائمة أمام خيارين: إما التعامل مع هذه القوائم كجزء من العملية السياسية أو الإصرار على إقصائها، مما قد يؤدي إلى تصعيد جديد في الساحة السياسية الليبية.
الرؤية البديلة: الانتخابات البلدية والشعبية
في المقابل، اعتبر المحلل السياسي حسام الدين العبدلي أن الانتخابات البلدية لا تعكس بالضرورة التوجهات السياسية للشعب الليبي. وقال العبدلي في تصريح صحفي" إن الانتخابات البلدية تتعلق بالمسائل الخدمية التي تهم المواطن بشكل مباشر، ولا يجوز ربطها بالشأن السياسي. وأوضح أن القوائم التي فازت في الانتخابات البلدية لم تحقق هذا التقدم نتيجة لامتلاكها قاعدة شعبية سياسية، بل لأن الانتخابات البلدية لا تتطرق إلى القضايا السياسية الكبرى.
وأضاف العبدلي أن فوز قوائم محسوبة على سيف الإسلام لا يمكن أن يُنظر إليه على أنه مؤشر على نجاح سياسي في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، مشدداً على أن هذه الانتخابات شهدت عزوفاً ملحوظاً من الناخبين ولم تعكس تفاعلاً سياسياً واسعاً.
إذا كان تقدم أنصار سيف الإسلام القذافي في الانتخابات البلدية يعكس تطوراً لافتاً في المشهد السياسي الليبي، فإنه يفتح الباب أمام سيناريوهات عدة في المستقبل القريب. وفي ظل الأوضاع الراهنة، يبدو أن ليبيا تتجه نحو مزيد من الاستقطاب السياسي، ما يزيد من تعقيد التحديات التي تواجه البلاد في سعيها لتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.