سوريا بعد سقوط الأسد.. مرحلة جديدة من التحديات والتحولات
في الثامن من ديسمبر 2024، شهدت سوريا حدثًا تاريخيًا مع انهيار النظام الذي حكم البلاد لأكثر من ستة عقود، بعد صراعات دامية ومعارك مريرة خلال العقد الأخير. وقد أسفرت هذه المعارك عن نشوء تنظيمات مسلحة ضخمة واندلاع أكبر موجة لجوء في التاريخ الحديث.
انهار النظام السوري في فترة لم تتجاوز 11 يومًا، إثر هجوم مفاجئ شنته الفصائل المسلحة في الـ27 من نوفمبر الماضي، مما أدى إلى انهيار المدن السورية الرئيسية واحدة تلو الأخرى، بداية من حلب، ثم حماة وحمص، وصولًا إلى العاصمة دمشق.
ومع سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، يبرز السؤال الأهم: ماذا بعد؟
خريطة السيطرة الجديدة
توزعت السيطرة على الأراضي السورية بين قوتين رئيسيتين. حيث سيطرت هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، المعروف بـ"الجولاني"، على المدن الكبرى والساحل الغربي للبلاد، بينما توسعت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بقيادة مظلوم عبدي في مناطق واسعة شرق الفرات، بدعم من واشنطن وعلاقات قوية مع إسرائيل. هذه السيطرة قد تمهد الطريق لتحقيق طموح قسد في إقامة دولة كونفدرالية مشابهة لإقليم كردستان العراق.
في ظل هذه التحولات، أعلنت المعارضة عن نيتها تشكيل مجلس عسكري لإدارة البلاد، مؤكدين استعدادهم لتسهيل انتقال السلطة بسلاسة. من جهته، أبدى رئيس الحكومة السورية محمد غازي الجلالي استعداد حكومته للتعاون من أجل انتقال منظم يحافظ على استمرارية مؤسسات الدولة.
مشهد معقد
رغم أن المعارضة المسلحة أكدت عدم رغبتها في الدخول في مواجهات جديدة، خاصة مع قسد، بسبب اتفاق الطرفين على الهدف المشترك المتمثل في إسقاط النظام، إلا أن تعقيدات المشهد السوري تزداد بفعل تباين الأيديولوجيات بين الأطراف المسيطرة. كما تزداد التحديات التي تواجه الأقلية العلوية بعد انهيار النظام.
من ناحية أخرى، يبدو أن النفوذ الإيراني وحزب الله في سوريا قد انتهى فعليًا، إذ تم إزالة صور القادة الإيرانيين من السفارة الإيرانية في دمشق بعد سيطرة المعارضة على العاصمة، وإعلانها "مدينة حرة"، فضلاً عن دعوة اللاجئين للعودة إلى سوريا الجديدة.
دولة القانون
وفي بيان رسمي، أكدت إدارة الشؤون السياسية التابعة للمعارضة أن سوريا القادمة ستكون دولة قائمة على القانون والعدالة، مع التركيز على بناء مؤسسات تحقق كرامة الشعب السوري. وشدد البيان على أهمية تحقيق مصالحة وطنية شاملة تقوم على العدالة والمساءلة، مع وضع خطة لإعادة إعمار البلاد وبناء البنية التحتية التي دمرتها سنوات الحرب.
المرحلة الانتقالية
دعا أحمد الشرع، القائد العام لهيئة تحرير الشام، مقاتلي المعارضة إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة باعتبارها ملكًا للشعب السوري، مؤكداً على أهمية التواضع والمسؤولية في إدارة المرحلة الانتقالية. ووصف هذا التحول بأنه أعظم ثورة في التاريخ الحديث.
مشاورات دولية وعربية
على الصعيد الإقليمي والدولي، أكدت الأردن ضرورة الحفاظ على أمن سوريا واستقرارها. في ذات السياق، تواصل المعارضة السورية مشاورات مع الدول العربية والأوروبية والأمم المتحدة لوضع خطة للمرحلة القادمة. وقد أكد وزراء خارجية كل من قطر، السعودية، الأردن، مصر، والعراق دعمهم لحل سياسي يعزز وحدة التراب السوري ويبني دولة يحكمها القانون، بعيدة عن التدخلات الخارجية.
مصير الأسد
وفي ظل هذه التطورات، يظل مصير الرئيس السوري السابق بشار الأسد مجهولًا، حيث تشير التقارير إلى اختفائه منذ دخول المعارضة دمشق. عمليات بحث مكثفة تجريها القوات لاستجواب المسؤولين المقربين منه للكشف عن مكانه.
ومع هذه التحولات الكبيرة، تقف سوريا اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، مليئة بالتحديات والفرص. يعتمد نجاح المعارضة في هذه المرحلة على قدرتها على تحقيق التوازن بين المصالحة الوطنية، بناء الدولة، وضمان استقلالية القرار بعيدًا عن أي نفوذ أجنبي.