تشاد تسرع وداع فرنسا.. هل ينجح الانسحاب السريع دون خسائر دبلوماسية؟
تشهد العلاقات التشادية الفرنسية أزمة جديدة قد تؤدي إلى تعثر محاولات فك الارتباط بين البلدين بشكل سلس ودون خسائر دبلوماسية. في خطوة مفاجئة، طالبت الحكومة التشادية فرنسا بسحب قواتها من أراضيها قبل نهاية يناير 2024، أي قبل الموعد الذي كان مقررًا سابقًا، وهو مارس 2025.
الطلب المفاجئ من تشاد
كان من المتوقع أن يتم الانسحاب الفرنسي من تشاد وفق جدول زمني مرن يمتد حتى مارس من العام المقبل، ولكن الحكومة التشادية فوجئت فرنسا بطلب جديد بمغادرة القوات الفرنسية قبل نهاية يناير 2024. هذا الطلب جاء بعد أسبوعين من إلغاء تشاد للاتفاقيات العسكرية والدفاعية الموقعة مع باريس، وكان يشير إلى حالة من التوتر المتصاعد في العلاقات بين البلدين.
مصادر مقربة من الحكومة الفرنسية أكدت أن هذا الطلب يمثل مصدر إزعاج كبير، حيث أن الفترة الزمنية المحدودة التي تم منحها لا تعتبر كافية بالنسبة للقوات الفرنسية لتنظيم عملية الانسحاب بشكل آمن ومرتب. تشير المصادر العسكرية الفرنسية إلى أن سحب ألف جندي والمعدات العسكرية المترتبة على ذلك في مدة لا تتجاوز سبعة أسابيع يعد أمرًا مستحيلًا.
رفض جدول الانسحاب الطويل
تقول السلطات التشادية إنها لم تكن راضية عن الجدول الزمني الأول الذي يقضي بانسحاب القوات الفرنسية حتى مارس 2025، معتبرة أن هذا الموعد طويل جدًا، خاصة أن نجامينا كانت ترغب في إجراء تغيير أسرع في الشراكة العسكرية. ولذلك، كان القرار النهائي في تشاد هو المطالبة بالانسحاب في موعد أقرب، أي قبل بداية شهر رمضان 2024.
وتؤكد مصادر مقربة من الحكومة التشادية أن هذا القرار ليس مرتبطًا بتحالف دول الساحل الأفريقي الذي يضم دولًا مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ولكن يشير إلى رغبة نجامينا في بناء علاقة جديدة مع شركاء آخرين في الأمن والدفاع بعيدًا عن فرنسا.
المفاوضات التقنية الجارية
ورغم هذا الطلب الحاسم من تشاد، لا تزال المفاوضات جارية بين الطرفين، وقد أبدت فرنسا استعدادها للبحث عن حلول تقنية تسمح لها بالحصول على وقت إضافي لتنظيم عملية الانسحاب بشكل مناسب. وفي حين أن المناقشات تسير بشكل جيد وفقًا للعديد من المصادر، لا يزال القادة العسكريون الفرنسيون مترددين بشأن إمكانية تنفيذ الانسحاب في الوقت المحدد.
الانسحاب على الأرض: بدأ التنفيذ
منذ إعلان القرار التشادي، بدأت بالفعل القوات الفرنسية في اتخاذ خطوات عملية للانسحاب، حيث أقلعت طائرات "ديت تشاس" وطائرات "ميراج 2000" من قاعدة نجامينا الجوية، في إطار أولى مراحل الانسحاب. كما يُتوقع أن تبدأ عمليات إخلاء قواعد فايا لارجو (التي تضم 50 جنديًا) وأبيشي (حيث يتواجد نحو 100 جندي فرنسي) في الأسبوع المقبل.
ومع ذلك، يواجه العسكريون الفرنسيون تحديات كبيرة في تنفيذ هذا الانسحاب بسبب الوضع اللوجستي. فالعديد من المعدات الثقيلة يجب نقلها عبر طرق غير معبدة في الصحراء، مما يتطلب وقتًا أطول من المتوقع. وقد يحتاج الجيش الفرنسي إلى أكثر من عشرة أيام لنقل القوات والمعدات من المواقع المختلفة إلى العاصمة التشادية نجامينا.
المستقبل غير الواضح
في النهاية، بالرغم من بدء عملية سحب القوات الفرنسية من تشاد، فإن العملية لن تكون سريعة أو سهلة. ما زالت العلاقات بين البلدين تتسم بالتوتر، ويواجه الطرفان تحديات كبيرة في إدارة هذا الانسحاب بشكل منظم وآمن. أما بالنسبة لفرنسا، فستظل تسعى للحفاظ على ما تبقى من علاقاتها العسكرية والدبلوماسية مع تشاد في الفترة المقبلة، بينما تسعى نجامينا لتحقيق استقلالية أكبر في مجال الأمن والدفاع.