الانهيار الكامل لتنظيم الإخوان في تونس.. هزيمة سياسية وتصدع داخلي
يشهد تنظيم الإخوان في تونس مرحلة من التراجع الحاد والانهيار السياسي، في ظل تراجع شعبي شديد وفقدان القدرة على التأثير في الأحداث السياسية. على مدار السنوات الماضية، ارتكب هذا التنظيم العديد من التجاوزات والجرائم بحق الشعب التونسي، ما جعل أي فرصة للتسامح مستحيلة. فقد ظنوا أنهم قد تمكنوا من السيطرة على مجريات الأمور في البلاد، إلا أن الشعب الذي حاولوا الهيمنة عليه أدرك حقيقة أهدافهم وأدى ذلك إلى نفور واسع منهم.
الإقرار بالهزيمة جاء على لسان أحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص، الجبهة السياسية التي تدين بالولاء للإخوان في تونس، حيث اعترف علنًا بصعوبة تعبئة الشارع التونسي، مشيرًا إلى انصراف المواطنين عن الشأن السياسي وضعف المعارضة. في تصريحاته الأخيرة، أكد الشابي أن "وسائل التعبئة أصبحت صعبة"، في إشارة إلى تعثر محاولاتهم لاستعادة الزخم الشعبي، مشيرًا إلى أن المواطن التونسي أصبح غير مهتم بالشأن السياسي على الإطلاق. كما أضاف أن المعارضة التونسية "مشتتة وضعيفة"، وهو ما يظهر حالة الجمود التي يعيشها هذا التيار السياسي.
من جهة أخرى، يرى مراقبون أن تصريحات الشابي تعتبر بمثابة اعتراف بانتهاء تأثير الإخوان في تونس وفشل محاولاتهم لإعادة تنظيم صفوفهم. ويعتقد العديد من المحللين أن هذه التصريحات تعكس واقعًا مريرًا للجماعة، حيث أصبحت قدرتهم على تعبئة الجماهير أمرًا صعبًا للغاية. كما أن العديد من قيادات جبهة "الخلاص" تقبع حاليًا في السجون بتهم التآمر على أمن الدولة، بعد أن تم اعتقالهم منذ منتصف فبراير/شباط 2023 إثر محاولاتهم لتأجيج الأوضاع في البلاد والتخطيط للانقلاب على الرئيس قيس سعيد.
في هذا السياق، يرى المحلل السياسي التونسي عبد الرزاق الرايس أن جماعة الإخوان قد انتهت في البلاد، وأن كل محاولاتها لإثبات وجودها باءت بالفشل. ويؤكد الرايس في تصريحات صحفية أن جماعة الإخوان لن تنجح في استعادة مكانتها في المشهد السياسي التونسي، رغم محاولاتها المستميتة لإثارة الفوضى وبث الفتنة في البلاد. كما أضاف الرايس أن التعبئة الجماهيرية أصبحت أمرًا بالغ الصعوبة، وهو ما اعترف به الشابي في تصريحاته الأخيرة. ويشير إلى أن جميع التحركات الاحتجاجية والمسيرات التي كانت تنظمها حركة النهضة في فترة حكمها كانت تتم بتمويل مادي، حيث كان يتم جلب المتظاهرين من المناطق المختلفة عبر الحافلات، مع دفع الأموال لهم مسبقًا.
الرايس يوضح أيضًا أن "تضييق الخناق" على جماعة الإخوان، بما في ذلك تجميد أموال الحزب وضغط السلطات عليهم، قد أسهم في تفريغ هذه التحركات من أي تأثير حقيقي. فقد أصبح الأمر واضحًا للجميع أن كل المسيرات التي كانت تروج لها الجماعة أصبحت خالية من أي دعم شعبي حقيقي.
أما المحلل السياسي حسن التميمي، فقد أشار إلى أن حالة التفكك والانقسام التي تعاني منها أحزاب المعارضة التونسية تمنعها من تشكيل جبهة موحدة لمواجهة النظام الحالي. وأضاف التميمي في تصريحاته صحفية أن الأحزاب اليسارية والتقدمية في تونس لا يمكنها التحالف مع الأحزاب الإخوانية، بسبب ارتباطها باتهامات الفساد والإرهاب التي تلاحقهم. وأوضح أن جبهة الخلاص الإخوانية باتت اليوم في خانة الأحزاب "المنبوذة شعبيًا وسياسيًا"، حيث لم تعد قادرة على تشكيل تحالفات قوية أو تعبئة الشارع لصالحها.
وأضاف التميمي أن الشابي، الذي لجأت إليه حركة النهضة بعد سجن قياداتها البارزة، لم يتمكن من تجميع قوى المعارضة حوله، رغم أنه كان حليفًا قويًا للجماعة في وقت سابق. فقد كانت العلاقة بين الشابي والإخوان تمتد منذ عام 2005 من خلال "تحالف 18 أكتوبر"، حيث أسس حركة سياسية ساهمت في تحسين صورة جماعة الإخوان في المجتمع التونسي، وقاد معركة ضد نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. لكن بعد سقوط بن علي، تنكرت له حركة النهضة وفضلت الدفع بمنصف المرزوقي إلى رئاسة قصر قرطاج، مما دفع الشابي إلى معارضة الإخوان لفترة قبل أن يعود إليهم بعد الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021، والتي أطاحت بحكم الإخوان.
وبالرغم من هذا التقارب، لم يتمكن الشابي من إعادة ترتيب صفوف المعارضة في مواجهة النظام الحالي، مما يجعل المستقبل السياسي لجبهة الخلاص والحركات المرتبطة بالإخوان غامضًا، ومصيرها يبدو محكومًا بالفشل.