اتحاد العالم الإسلامي
اتحاد العالم الإسلامي
رئيس مجلس الإدارة د. محمد أسامة هارونرئيس التحرير أحمد نصار

رفح في مرمى الاحتلال.. من ساحة معركة إلى منطقة عازلة

جيش الاحتلال
جيش الاحتلال

في خطوة تكشف عن تصعيد خطير في استراتيجية الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، كشفت صحيفة هآرتس، نقلًا عن مصادر أمنية إسرائيلية، عن نية جيش الاحتلال تحويل مدينة رفح إلى جزء من المنطقة العازلة الدائمة، مع التأكيد على عدم السماح لسكانها بالعودة إليها، ما يُعدّ عمليًا تهجيرًا قسريًا واسع النطاق واستهدافًا مباشرًا للوجود المدني في جنوب القطاع.

منطقة خالية من البشر

الحديث عن "منطقة عازلة" ليس جديدًا في الخطاب العسكري الإسرائيلي، لكنه يأخذ الآن طابعًا أكثر شمولًا ووضوحًا، بعد أن تحوّلت معظم مناطق شمال القطاع إلى أراضٍ مدمرة وخالية من السكان نتيجة العمليات العسكرية المكثفة. واليوم، تستهدف نفس السياسة مدينة رفح، التي كانت تُعدّ واحدة من آخر الملاذات الآمنة نسبيًا لأكثر من مليون نازح داخلي في غزة.

وتُشير المصادر الإسرائيلية إلى أن هناك نية لهدم جميع المباني في رفح، وهي إشارة مباشرة إلى تكرار النموذج التدميري الذي طُبّق في مناطق كبيت حانون وبيت لاهيا والشجاعية، حيث تسعى إسرائيل لإقامة شريط أمني ممتد على طول الحدود، عبر إفراغ الأرض من سكانها وإزالة البنية التحتية بالكامل.

الأهداف المعلنة والمبطنة

بحسب ما ورد في التقارير، فإن أحد الأهداف المعلنة لهذا التحرك هو زيادة أدوات الضغط على حركة حماس، أي محاولة فرض معادلة سياسية عبر الهندسة الديمغرافية والعسكرية في غزة. لكن من الناحية العملية، يتضح أن التحرك يهدف أيضًا إلى خلق واقع ميداني جديد، تكون فيه السيطرة الأمنية الإسرائيلية دائمة على حدود القطاع، بل وتتغلغل داخله بشكل منظم ومنهجي.

وقد بدأت هذه السياسة تتجسد عمليًا من خلال توسيع "ممر موراج" في منطقة تل السلطان، حيث تقوم القوات الإسرائيلية بهدم المباني على امتداده لإنشاء ممرات عسكرية آمنة. هذا الممر يُعدّ جزءًا من خطة أوسع لفصل شمال القطاع عن جنوبه، وقطع أوصال غزة إلى مناطق معزولة ومفككة لا تملك مقومات الاستمرارية الجغرافية أو الاجتماعية.

التصعيد العسكري مستمر.. الفرقة 36 تتحرك

في موازاة ذلك، كشفت صحيفة يسرائيل هيوم عن توسيع العمليات البرية في قطاع غزة، مع دخول الفرقة 36 الإسرائيلية إلى مناطق جديدة جنوب القطاع، بما فيها مدينة رفح ومحور موراج، وهي مناطق لم يكن قد تم التوغل فيها سابقًا بهذا الشكل المكثف. هذا التصعيد الميداني يعني أن الاحتلال يتجه نحو استكمال السيطرة العسكرية على كامل القطاع، أو على الأقل على مناطقه الحدودية والجنوبية.

الانعكاسات الإنسانية والحقوقية

القرار الإسرائيلي بعدم السماح لسكان رفح بالعودة إلى مدينتهم يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وبالأخص لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر التهجير القسري للسكان المدنيين من مناطقهم الأصلية. كما أن هدم المدينة بالكامل سيؤدي إلى كارثة إنسانية مركّبة، في ظل وجود مئات الآلاف من النازحين الذين لا يملكون مأوى آخر، خاصة بعد تدمير شمال القطاع.

الأمر لا يتعلق فقط ببنية مدمّرة، بل بمستقبل مدينة كانت تُعتبر رمزًا للحياة والمقاومة في جنوب غزة. تهجير رفح وتحويلها إلى منطقة أمنية مغلقة يعني عمليًا شطبها من الخريطة الجغرافية والسياسية للقطاع.

فرض أمر واقع جديد

تسعى إسرائيل، عبر هذه الاستراتيجية، إلى فرض أمر واقع جديد في غزة، يعيد رسم حدود القطاع من الداخل ويُمهّد لتسوية مستقبلية تكون فيها غزة مقطعة الأوصال، خاضعة لرقابة أمنية دائمة، ومحرومة من أي مقومات للسيادة أو إعادة الإعمار. هذا السيناريو، إذا تحقق، سيُعقّد أي جهود سياسية مستقبلية ويُفرغ مفاوضات ما بعد الحرب من أي مضمون حقيقي.

ما يجري في رفح ليس مجرد عملية عسكرية، بل مشروع لإعادة هندسة الجغرافيا والسكان في غزة، يُبنى على أساس تدميري وإقصائي. استخدام مصطلح "منطقة عازلة" يخفي وراءه نوايا واضحة لتوسيع النفوذ الإسرائيلي الأمني على حساب الحقوق الإنسانية والسياسية للشعب الفلسطيني.

المرحلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان المجتمع الدولي سيكتفي بالتنديد، أم سيتخذ خطوات حقيقية للجم هذا التوجه، الذي يُهدد بتكريس نموذج غزة المُجتثة من كل مقومات الحياة، كمقدمة لفصلها التام عن أي أفق سياسي أو سيادي مستقبلي.

موضوعات متعلقة