نظام الملك الطوسي.. من فقر القرية إلى عرش الوزارة لمدة ٣٠ عام
تاج الحضرتين" و"رضي أمير المؤمنين"، ألقابٌ نالها نظام الملكُ الطوسي، تقديرًا لجهودِهِ في نهضةِ الحضارةِ الإسلاميةِ وتعزيزِ العلاقاتِ بينَ السلاجقةِ والعباسيينَ.
لم تكن إنجازاتُهُ مقتصرةً على الإدارةِ والسياسةِ، بل كانَ عالمًا موسوعيًا وأديبًا بارزًا، أسّسَ الجامعةَ النظاميةَ التي أصبحتْ منارةً للعلمِ والمعرفةِ في العالمِ الإسلاميِ.
واجهَ نظام الملكُ أعداءً كثيرين، لكنّهُ لم يترددْ في مواجهتهمِ بحكمةٍ وعزيمةٍ، حتى لقيَ حتفهُ على يدِ أحدِهمْ في نهايةٍ مأساويةٍ.
لكنّ إرثَهُ بقيَ خالدًا، رمزًا للعدلِ والحكمةِ في زمنِ الفتنِ والصراعاتِ.
في هذا البروفايل، نستعرضُ سيرةَ نظام الملك الطوسي ونُسلّطُ الضوءَ على إنجازاتِهِ و إسهاماتِهِ في نهضةِ الحضارةِ الإسلاميةِ.
من الفقر إلى الوزارة!
كان السلاجقة حينذاك في طور الصعود السياسي الكبير، واستطاعوا بالفعل حكم مناطق بلاد ما وراء النهر، وشيئا فشيئا كانوا يتوسّعون على حساب الغزنويين في مناطق خراسان وهي مناطق أفغانستان وتركمانستان وشرق إيران اليوم، واستطاع الحسن الطوسي أن يتصل بخدمة السلاجقة، ولفتت مهاراته وعلمه وذكاؤه الوزير أبا علي بن شاذان وزير الأمير ألب أرسلان، فأصبح الطوسي على اتصال وثيق بأمراء السلاجقة، ثم سرعان ما ارتقى من مجرد مساعد للوزير إلى كاتب للأمير ألب أرسلان السلجوقي قبل أن يرتقي إلى منصب السلطنة بعد وفاة ابن شاذان.
إدارة نظام الملك
انتقام حتى الموت
وبسبب هذا النجاح الباهر، وهذه العقلية المبدعة التي جمعت بين مهارة الإدارة، وغزارة العلم، والإلمام بالتحديات، والتقرب من الرعية وإقامة العدل، فقد قرر الباطنية الإسماعيلية الانتقام من هذا الوزير الذي بدد جهودهم وأحلامهم، فخرج إليه رجل منهم على زي صوفي فقير يُعطيه مظلمته ليكشفها، فاقترب منه النظام لكن الباطني غدر به، وسدد طعنة نافذة إلى قلبه، فسقط ميتا من فوره، وذلك في العاشر من شهر رمضان سنة 485هـ/1092م بالقرب من مدينة نهاوند بإقليم فارس، وقد حُمل جثمانه ووُورِي الثرى في مدينة أصفهان، ودُفن في الجامعة النظامية التي أنشأها في تلك المدينة، وهو في السابعة والسبعين من عمره وكانت آخر كلمة قالها: "لا تقتلوا قاتلي فإني عفوت، لا إله إلا الله".