قصص من ذهب| من سيرة السيدة رابعة العدوية «صاحبة الحكمة».. وسفيرة «الحب الإلهي»
رابعة بنت إسماعيل العدوية هي شخصية تاريخية من العصور الإسلامية. وُلدت في القرن الثالث عشر الميلادي في مصر، وهي تنتمي إلى الطائفة الصوفية. كانت رابعة شخصية دينية وصوفية بارزة، وتُعتبر من بين أهم القديسات في التصوف المصري.
- تأثير رابعة العدوية على التصوف الإسلامي
رابعة العدوية: تُعرف رابعة العدوية بتأثيرها العميق على الناس من خلال تعاليمها الصوفية وحكمتها. كانت تتبع مبادئ التصوف الإسلامي وتدعو إلى التقرب إلى الله من خلال العبادة والمحبة والتسامح. وتُعتبر قصتها وحياتها مصدر إلهام للعديد من المسلمين والصوفيين.
رابعة العدوية: عنيت «رابعة» منذ صغرها بحفظ القرآن الكريم وترتيله، وكلما حفظت سورة من السور أخذت تكررها وتعيدها في ترتيل وتجويد مع الخشوع وتدفق الدموع حتى حفظت القرآن في سن صغير وتدبَّرت آياته وقرأت الحديث تدارسته وحافظت على الصلاة وهي في عمرالزهور، وكان التاجر الذي اشتراها يحمَّلها ة فوق طاقتها كطفلة لم تشب عن الطوق بعد، لكنها كانت تختلي بنفسها في الليل لتستريح من عناء النهار وعذابه، ولم تكن راحتها في النوم أو الطعام، بل كانت في الصلاة والمناجاة.
- وفاة رابعة العدوية وخلود ذكراها
رابعة العدوية: وذات ليلة استيقظ سيدها من نومه فسمع صلاتها ومناجاتها فنظر من خلال الباب -يقول فريد الدين العطار كاتب سيرتها: «فرأى رابعة ساجدة تصلى وتقول: إلهي أنت تعلم أن قلبي يتمنى طاعتك، ونور عيني في خدمتك، ولو كان الأمر بيدي لما انقطعت لحظة عن مناجاتك، ولكنك تركتني تحت رحمة هذا المخلوق القاسي من عبادك. وخلال دعائها وصلاتها شاهد قنديلاً فوق رأسها يحلق، وهو بسلسلة غير معلق، وله ضياء يملأ البيت كله، فلما أبصر هذا النور العجيب فزع، وظل ساهدًا مفكرًا حتى طلع النهار، هنا دعا رابعة وقال: أي رابعة وهبتك الحرية، فإن شئت بقيت ونحن جميعًا في خدمتك، وإن شئت رحلت أنى رغبت، فما كان منها إلا أن ودعته وارتحلت».
توفيت رابعة عن عمر يناهز الثمانين عامًا، وكان ذلك سنة 185هـ كما يرى ابن خلكان في كتابه «وفيات الأعيان»، وهذا ما يؤيده المستشرق الفرنسي ماسينيون ويدعمه بحجج مقنعة، لأن بعض المراجع التاريخية يزعم أنها توفيت سنة 135هـ.
وكذلك اختلف المؤرخون في مكان قبرها، فإن ابن خلكان يقول: «وقبرها يزار، وهو بظاهر القدس من شرقيه على رأس جبل يسمى الطور».
وتبعه في ذلك عدد ممن ترجم لـ«رابعة»، وبما أنه لا يُعلم أنها رحلت إلى الشام، أو زارت القدس الشريف حتى تموت هناك، فلا بد من التسليم بما ذكره ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان» حين تحدث عن «المقدس» من أن هذا القبر في جبل الطور «ليس هو بقبرها، وإنما قبرها بالبصرة».
- حكمتها وشعرها: إرث رابعة العدوية الخالد
رابعة العدوية: رابعة بالمناسبة حُبيّت بموهبة الشعر، ولما تمكنت من روحها وتمكنت منها، أنشدت أبياتا في حب الإله، لا تزال خالدة إلى اليوم، يتغنى بها العامة قبل المتصوفين.
عدا عن أبيات الشعر هذه، لرابعة مقولات عدة تتضمنها كتب تاريخ التصوف الإسلامي، منها أنها سُئلت يوما “ما أقرب ما تقرب به العبد إلى الله عز وجل؟ فبكت وقالت: أمثلي يُسأل عن هذا! أقرب ما تقرب العبد به إلى الله تعالى أن يعلم أنه لا يحب من الدنيا والآخرة غيره”.
منها أيضا ما روته خادمتها عبدة بنت أبي شوال، أن رابعة كانت تصلي مئات الركعات في اليوم، فإذا سئلت “ما تطلبين من هذا؟”، قالت: “لا أريد ثوابا بقدر ما أريد إسعاد رسول الله حتى يقول لإخوته من الأنبياء: انظروا هذه امرأة من أمتي… هذا عملها”.
رابعة العدوية: بحسب كتاب "شهيرات النساء في العالم الإسلامي" تأليف قدرية حسين، السيدة رابعة العدوية هي أم الخير بنت إسماعيل ومن موالي آل عتيك، مولدها البصرة وإننا وإن كنا لا نعلم تمامًا تاريخ ميلادها من المراجع التي بين أيدينا، إلا أنه نظرًا لوفاتها عام 1352 ولأنها عاشت نحو ثمانين سنة فإنها تُعتبر بحق من ربات الخدور في أوائل العصر الهجري.
- رحلة رابعة العدوية مع الزهد والتقوى
رابعة العدوية: أفنتْ حياتها في العبادة والتقوى وإصلاح النفس وكبح جماح الشهوات، فقد كانتْ نموذج الكمال في عصرها، آثرتْ كل تضحية وعاشتْ فقيرة معوزة لتصل إلى هذه الدرجة العالية، فهي بحق من أعيان عصرها في الإسلام.
رابعة العدوية: كانت تفوق نساء زمانها وتمتاز عليهن لا بالزهد والتقوى فحسب، بل بفضلها وعرفانها، بعلمها وأدبها، حتى رَنَتْ إليها الأبصار وتطاولتْ نحوها الأعناق، كان يتلذَّذ بصحبتها ويستفيد من معاشرتها أمثال حسن البصري التقي الشهير، وشقيق البلخي الصوفي العظيم، وسفيان الثوري المجتهد الكبير، والملك دينار، حاكم الكرج والشاعر البليغ، كل هؤلاء الأفاضل صاحبوها وجالسوها وحضروا مباحثها في الدين والعلم، فأجلُّوها وقدَّروا عقلها وذكاءها، وأعظموا حال زهدها وتقواها.