السودان على حافة الانهيار.. صراع الجنرالات وتحديات القوى المدنية
الصراع الجاري في السودان بين القوات المسلحة السودانية (الجيش) وقوات الدعم السريع يُعَدّ صراعًا معقدًا ينطوي على أبعاد داخلية وخارجية متعددة. بينما يتركز النزاع على السلطة بين الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، تلعب التدخلات الإقليمية والدولية دورًا بارزًا في تحديد مسار الأحداث.
منذ بداية النزاع، كان من الواضح أن الدول الكبرى والإقليمية تراقب الوضع عن كثب، كل منها يسعى لتعزيز مصالحه في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر. تعتبر هذه المنطقة حيوية على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، حيث تسعى القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا إلى تعزيز نفوذها عبر دعم أطراف محلية معينة. كذلك، تلعب مصر والإمارات والسعودية أدوارًا بارزة نظرًا للموقع الاستراتيجي للسودان وتأثيره على أمن البحر الأحمر.
تراقب الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، الوضع بقلق، لكنها تحاول تجنب الانخراط المباشر لتفادي تكرار سيناريوهات فاشلة مماثلة لما حدث في ليبيا واليمن. رغم ذلك، يتم دعم الأطراف المتصارعة بشكل غير مباشر من خلال فرض العقوبات والتأثير عبر الوساطات الدولية.
القوى المدنية السودانية، رغم كونها تمثل شريحة كبيرة من الشعب، تجد نفسها بين معسكرين متصارعين، ولكنها تميل أكثر نحو الجيش نظرًا لتاريخه كمؤسسة شرعية للدولة. ومع ذلك، يجعل تعقيد الوضع العسكري وتورط الجنرالين في صراع عنيف من الصعب على القوى المدنية أن تلعب دورًا حاسمًا، إلا إذا حصلت على دعم إقليمي قادر على فرض تسوية سياسية.
في ظل استمرار النزاع وغياب تسوية سريعة، يبدو أن السودان مرشح لمزيد من التصعيد، ما قد يؤدي إلى سيناريوهات مشابهة لما حدث في بعض الدول الإفريقية حيث انهارت الدولة المركزية وحلت الفوضى. قد تسعى قوات الدعم السريع لفرض سيطرتها على البلاد، لكنها ستواجه تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، خاصة مع تزايد الانتهاكات الإنسانية والضغوط الدولية.
السودان أمام خيارين: إما التوصل إلى تسوية سياسية تشمل إصلاحات جذرية تشارك فيها جميع الأطراف، أو الانزلاق إلى مزيد من الفوضى التي قد تؤدي إلى تقسيم البلاد بين قوى متصارعة. الدعم الإقليمي سيكون له تأثير حاسم في هذا السياق، وقد يأتي بشروط تتجاوز المصالح الوطنية السودانية لتشمل أجندات إقليمية ودولية أوسع.
تحليل دور القوى المدنية في الصراع السوداني يعتبر جوهريًا لفهم المشهد السياسي المستقبلي في البلاد. رغم تعرضها لضغوط واختراقات من تحالفات إقليمية ودولية، فإن القوى المدنية مثل "قوى الحرية والتغيير" ستظل لاعبًا أساسيًا في تحديد مستقبل السودان. إذا استمر النزاع أو تفاقم، قد تجد القوى المدنية نفسها غير قادرة على التأثير المباشر، ولكنها قد تلعب دورًا في تقديم الشرعية لأي تسوية سياسية محتملة. وفي حالة الوصول إلى تسوية شاملة، ستكون القوى المدنية مفتاحًا لتشكيل حكومة انتقالية وضمان إصلاحات دستورية ومؤسسية تشمل جميع فئات الشعب السوداني.