علي مزروعي.. صائد التفاهم بين الإسلام والغرب
يشتهر الدكتور عليّ مزروعي، رحمه الله، بين المتابعين لأبحاث السياسة والثقافة في إفريقيا كعالم ومفكر بارز، لكن قليلًا ما يُعترف بإسهاماته العميقة في خدمة الإسلام والمسلمين سواء في إفريقيا أو على مستوى العالم.
يظن البعض أن أكبر مساهمة يمكن أن يقدمها مسلم لخدمة دينه، خاصةً إن كان من عائلة دينية بارزة، هي دعوة غير المسلمين للإسلام. وقد فعل الدكتور مزروعي ذلك، حيث أسلم على يديه عدد من أتباع الديانات المحلية في إفريقيا واحتفظ بعلاقاتهم الروحية بعد مغادرته لإكمال دراسته في بريطانيا.
ويرى آخرون أن أبرز إسهام قد يقدمه مسلم ذو تأثير هو النضال السياسي من أجل حقوق أمته. وقد قام مزروعي بذلك أيضًا، حيث واجه الحكومة الكينية عندما ألغت محاضرة له في المركز الإسلامي عام 1992م، وأصدر بيانًا بعنوان "انتفاضة السود" لطرح مخاوف مسلمي كينيا ومطالبة الحكومة بالاعتراف بالحزب الإسلامي كجزء من التزامها بالديمقراطية.
لكن إسهامات مزروعي لم تقتصر على هذه الجوانب. فقد كان له دور كبير في تصحيح صورة الإسلام في الغرب من خلال تقديم تعريف دقيق للإسلام وحضارته، وتوضيح أسباب توتر العلاقات بين المسلمين والغرب، وبيان فوائد الإسلام الصحيحة للغرب وكيفية استفادة المسلمين من الغرب.
لطالما شوهت الكتابات الغربية صورة الإسلام بسبب هيمنة رؤى متحيزة. وقد تميز مزروعي في نقد هذه التشوهات، مشيرًا إلى خطيئتين يرتكبهما الغرب: الإنكار والبهتان. الإنكار يشير إلى إغفال حقائق أساسية عن الإسلام، بينما البهتان يتعلق بالافتراءات على المسلمين وعقائدهم.
ميز مزروعي بين الإسلام والديانتين اليهودية والمسيحية، موضحًا أن الإسلام لا يناقض هاتين الديانتين بل يكملهما. وفقًا له، فإن الإسلام كان أول ثورة بروتستانتية، حيث سبق النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الكشف عن تحريف الديانتين اليهودية والمسيحية، داعيًا إلى العودة إلى أصولهما الصحيحة.
من جانب آخر، أبرز مزروعي العلاقة بين الإسلام والنظامين الاقتصاديين الرأسمالي والتجاري الغربيين. فعلى الرغم من أن الأخلاق البروتستانتية قد أوجدت النظام الرأسمالي، فإن الأخلاق الإسلامية قد شكلت نوعًا من الرأسمالية التي تشجع على العمل مع الحفاظ على توازن العدالة الاجتماعية من خلال الزكاة وتنظيم الاستهلاك والتوزيع.
كما تطرق مزروعي إلى الفروقات بين الاقتصاد الإسلامي والنظام التجاري الغربي، مشيرًا إلى أن الإسلام كان له نظام تجاري أخلاقي يتجاوز النظريات الغربية ويهتم بحاجات الفقراء.
وتناول مزروعي أيضًا التوتر بين المسلمين والغرب، مشيرًا إلى أن هذا التوتر ليس حتميًا. وفي السبعينيات، تصور مزروعي أن نظامًا اقتصاديًا عالميًا جديدًا يمكن أن يتشكل من خلال التبادل التجاري بين المسلمين والغرب، حيث ينتج المسلمون النفط ويستهلكون التقنية، بينما ينتج الغرب التقنية ويستهلك النفط.
ومع ذلك، كانت هذه الرؤية متفائلة أكثر من اللازم، إذ تجاهلت العوامل الثقافية والسياسية التي غذت التوتر بين الجانبين، كما أشار مزروعي إلى تأثير الصراعات الثقافية والسياسية في هذه العلاقة، مثل الانتقادات المتبادلة حول قضايا مثل "آيات شيطانية" وسلوكيات حقوق الإنسان.
في سياق التغيرات العالمية، رأى مزروعي أن المسلمين يجب أن يقاوموا محاولات الغرب لفرض قيمه وثقافته عليهم، داعيًا إلى الحفاظ على التعددية الثقافية ومواجهة محاولات التغريب. وأكد أن الإسلام، كحضارة، يجب أن يلعب دورًا رياديًا في مقاومة الهيمنة الثقافية الغربية.
وفي الوقت ذاته، دعا مزروعي المسلمين للاستفادة من التجارب السياسية الغربية، خاصة في مجال الديمقراطية، حيث اقترح إعادة النظر في فهم مفهومي التوحيد والأمة وفقًا للمتغيرات المعاصرة.
توقع مزروعي أيضًا أن يساهم تزايد الحضور الإسلامي في الغرب في تعريف المجتمعات الغربية بالإسلام وتقديم حلول لمشاكلها. ورأى أن الحوار بين المسلمين والمؤسسات الغربية عبر المجتمع المدني قد يكون أكثر فعالية من الحوارات الرسمية التي غالبًا ما تكون محكومة بالاعتبارات السياسية.