التعداد السكاني في العراق.. بين الغموض والجدل والتحديات المالية
أثار مشروع التعداد السكاني في العراق جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية والسياسية، وسط تساؤلات عن الغموض الذي يحيط ببعض العمليات، وعدم شمول العديد من المناطق بالتعداد. انطلقت عملية التعداد يوم الأربعاء الماضي، في جميع مدن البلاد، في أجواء من التأهب الأمني وحظر شامل للتجوال، بهدف تمكين الموظفين من الوصول إلى مختلف المناطق.
شكاوى من المواطنين
تفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع مع شكاوى المواطنين الذين أشاروا إلى عدم وصول الباحثين إلى بعض المناطق، إضافة إلى اختلالات في الأسئلة المطروحة مقارنة مع تلك التي تم الإعلان عنها في الاستمارة الرسمية من قبل وزارة التخطيط. كما تباينت الإجراءات التي اتبعها الموظفون، مما أثار تساؤلات حول جدية العمل؛ إذ طلب بعض الموظفين هويات المواطنين، بينما اعتمد آخرون على استمارات قام المواطنون بملئها بأنفسهم قبل تسليمها للباحثين.
تمديد الإحصاء بسبب التحديات
وفي ضوء هذه الإشكاليات، اضطرت وزارة التخطيط العراقية إلى تمديد فترة التعداد يومًا إضافيًا لتتمكن من تغطية مزيد من المواطنين. وطالب مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في محافظة البصرة، اللجنة العليا للتعداد بالإشراف على تغطية شاملة لجميع المناطق بالمحافظة، مؤكدًا أن التعداد يعد خطوة حيوية نظراً لارتباطه الوثيق بمستقبل المدينة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
انتقادات سياسية واتهامات بالتشويش
من جانبها، أشارت وزارة التخطيط إلى وجود تشويش على المشروع من قبل بعض الأطراف السياسية، مؤكدين ضرورة إبقاء هذا المشروع بعيدًا عن التجاذبات السياسية بين القوى والأحزاب. وقال مسؤول في الوزارة، في تصريحات صحفية، إن التعداد يسير وفق مراحل عدة، ومن المتوقع أن يستمر حتى الشهر المقبل، رغم بعض التحديات. وأضاف المسؤول أن أي تأخير أو مشكلات تحدث يجب أن لا تُضخم أو تُساء إليها بشكل مفرط.
التكلفة المالية للتعداد
أثارت التكلفة المالية الكبيرة لعملية التعداد الكثير من التساؤلات، حيث بلغت قيمتها نحو 459 مليار دينار (حوالي 650 مليون دولار)، في وقت بلغت فيه كلفة تعطيل الدوام الرسمي 492 مليار دينار. وقال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي في منشور له عبر منصة "إكس" إن تكلفة العملية الاقتصادية قد تتسع نتيجة توقف الأنشطة العامة والخاصة، مما قد يؤثر سلبًا على الأفراد، خاصة الفئات الأشد فقراً التي تعتمد على الدخل اليومي.
قلق من تسريب البيانات
إضافة إلى ذلك، انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي مزاعم بتسريب بيانات متعلقة بالتعداد السكاني، حيث أظهرت بعض الأرقام تسجيل أكثر من 90 شخصًا ضمن منزل واحد، مما أثار قلقًا من دقة البيانات وأدى إلى تساؤلات حول مدى قدرة التعداد على تقديم صورة حقيقية لدعم التنمية المستدامة والتخطيط الاستراتيجي في البلاد.
إلا أن وزارة التخطيط نفت صحة هذه المزاعم، وأكدت أن البيانات محصنة تمامًا عبر سيرفرات مؤمنة، لا يمكن لأحد الوصول إليها سوى المسؤولين المختصين.
دعوات لتدارك الإشكاليات
من جانبه، قال الناشط وسام العبدالله إن التعداد السكاني شابته العديد من الغموض والخروقات التي تثير الكثير من علامات الاستفهام حول مصداقيته، مشيرًا إلى ضرورة معالجة هذه القضايا قبل أن يؤثر ذلك على مشروع بالغ الأهمية بالنسبة للبلاد على الصعيد التنموي.
وأكد العبدالله في تصريح صحفي أن الإنفاق الكبير على مشروع التعداد، بالإضافة إلى الاستعدادات المكثفة التي تمت قبل سنوات، يجب أن تُفضي إلى عملية أكثر دقة ووضوحًا، خاصة في ظل الأهمية الكبيرة للتعداد في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية في العراق.