البيشمركة الكردية.. إرادة سياسية مفقودة وتحديات توحيد القوات في ظل الدعم الدولي
بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إقليم كردستان العراق، عاد ملف توحيد قوات البيشمركة إلى الواجهة، حيث أصبح يشكل أحد أبرز القضايا التي تستدعي حلولًا جذرية، في ظل الانقسامات السياسية القائمة بين الحزبين الكرديين الرئيسيين: الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني.
نتائج الانتخابات وتنافس الأحزاب
في الانتخابات البرلمانية التي جرت الشهر الماضي، شارك 1191 مرشحًا، بينهم 368 امرأة، للتنافس على 100 مقعد في البرلمان الكردي. حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 39 مقعدًا، فيما حصل غريمه التقليدي، الاتحاد الوطني الكردستاني، على 23 مقعدًا، وجاءت حركة الجيل الجديد في المرتبة الثالثة بـ 15 مقعدًا. هذه الانتخابات تعكس توازنًا هشًا في القوى السياسية الكردية، ولكنها في الوقت نفسه سلطت الضوء على صراع طويل الأمد بين الحزبين الرئيسيين في قضية توحيد قوات البيشمركة.
انقسام البيشمركة
القوات الكردية، أو ما يُعرف بـ البيشمركة، تعتبر من أبرز القوى العسكرية في العراق، ورغم الدعم الدولي المتواصل لمشروعات توحيد هذه القوات، إلا أن الخلافات السياسية بين الحزبين الرئيسيين ظلّت تشكل عائقًا رئيسيًا أمام هذا الهدف.
ورغم أن قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة، وضعت خطة شاملة لإتمام عملية توحيد البيشمركة بحلول العام 2026، إلا أن العقبة الرئيسية تكمن في الإرادة السياسية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين. الفريق أول جبار ياور، الأمين العام السابق لوزارة البيشمركة، أكد في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن الخلافات السياسية بين الحزبين على السلطة والنفوذ تعيق التقدم في توحيد هذه القوات.
وأوضح ياور أن خطة توحيد القوات تستند إلى دمج 22 لواء ضمن 4 فرق عسكرية في أربيل ودهوك من جهة، وفي السليمانية وكرميان من جهة أخرى. كما أشار إلى أن عدد قوات البيشمركة يصل إلى حوالي 150 ألفًا، وتم دمج نحو 70 إلى 75 ألفًا منهم، بينما تظل فصائل أخرى تحت سيطرة الحزبين الرئيسيين: الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني.
دعوات لتوحيد البيشمركة
في سياق الجهود المبذولة لتوحيد البيشمركة، شدد نيجرفان بارزاني، رئيس إقليم كردستان، على ضرورة أن تكون قوات البيشمركة مؤسسة وطنية مهنية بعيدة عن الخلافات السياسية. وأكد في تصريحات له أثناء حفل تخرج دفعة جديدة من الكلية العسكرية، أن القوات يجب أن تكون "مدافعًا وطنيًا" عن جميع مكونات إقليم كردستان.
كما توجه بارزاني بالشكر إلى قوات التحالف الدولي التي تدعم الجهود المبذولة لإصلاح وتوحيد البيشمركة تحت مظلة وزارة شؤون البيشمركة. هذا الدعم الدولي يعد عنصرًا حاسمًا في تحفيز الطرفين الكرديين على تجاوز خلافاتهما السياسية لتحقيق هذا الهدف.
الموقف الأمريكي وأهمية توحيد البيشمركة
تحظى جهود توحيد البيشمركة بدعم قوي من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر أن توحيد هذه القوات يعد خطوة أساسية في تعزيز استقرار المنطقة وحماية مصالحها الجيوإستراتيجية في العراق. ومع تزايد التحديات الأمنية في المنطقة، لا سيما مع التوترات في سوريا والعلاقات مع إيران، فإن واشنطن تدرك أن استمرار الانقسامات بين الحزبين الكرديين قد يعرقل جهود الإصلاح المتعلقة بالقوات الكردية.
وأكد ريبين سلام، عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، أن عملية توحيد قوات البيشمركة قد حققت تقدمًا ملحوظًا، مشيرًا إلى أن العديد من الألوية تم دمجها بالفعل. ولفت إلى أن الحزب الديمقراطي مستعد للمضي قدمًا في هذا المشروع، مؤكدًا أن "الأسباب التاريخية والضغوطات الإقليمية" التي كانت تعوق التوحيد في السابق قد تلاشت الآن.
رغم التقدم النسبي في جهود توحيد البيشمركة، لا يزال التحدي الأكبر يكمن في الإرادة السياسية بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان، ما يعرقل تنفيذ هذا المشروع الحيوي. ورغم الدعم الدولي المتواصل، يبقى تحقيق الاستقرار العسكري في كردستان مرهونًا بتجاوز الانقسامات السياسية وتحقيق توافق بين الأحزاب الكردية حول مصير قوات البيشمركة، وهي خطوة مهمة لتعزيز الأمن الإقليمي والحد من تأثيرات التوترات الخارجية على العراق.