الساحل الأفريقي في قبضة الانقلابات.. فشل المجالس العسكرية في كبح جماح العنف المتصاعد
ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في عددها الصادر اليوم الإثنين أن المجالس العسكرية التي تشكلت في منطقة الساحل الأفريقي قد فشلت في تحقيق استقرار الأوضاع الأمنية، حيث استمرت أعمال العنف في التصاعد بشكل ملحوظ منذ توليها السلطة، ما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى في السنوات الأخيرة. المنطقة، التي أصبحت تُعرف باسم "حزام الانقلابات" في أفريقيا، شهدت تصاعدًا في التوترات على الرغم من وعود الحكومات العسكرية بإعادة الأمن والاستقرار.
وقالت الصحيفة، في مقال تحليلي كتبته رئيسة تحريرها رولا خلف، إن الحكومات العسكرية سيطرت على مالي وبوركينا فاسو والنيجر بين عامي 2020 و2023، مستغلة الغضب الشعبي ضد الحكومات الديمقراطية السابقة التي فشلت في احتواء العنف والتمرد الذي يعصف بالمنطقة منذ أكثر من عقد من الزمن. إلا أنه، بحسب الصحيفة، بدلاً من أن تحقن هذه المجالس العسكرية الاستقرار في منطقة الساحل الوسطى، التي تُعد شريطًا شبه قاحل جنوب الصحراء الكبرى، أصبحت الجماعات المتطرفة أكثر جرأة خلال العام الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أن منظمة "إيكليد"، غير الربحية والمتخصصة في تتبع الصراعات العالمية، أفادت بأن عدد القتلى في هذه الدول الثلاث قد بلغ رقمًا قياسيًا وصل إلى 7620 قتيلًا في النصف الأول من هذا العام، بزيادة قدرها 190% عن نفس الفترة في عام 2021. كما أن العدد الإجمالي قد يتجاوز 14 ألف قتيل بنهاية العام الحالي.
وفي هذا السياق، لفتت "فايننشال تايمز" إلى الهجوم الذي شنته جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم القاعدة في سبتمبر الماضي على العاصمة المالية باماكو، وهو الهجوم الأول من نوعه منذ عام 2015. الهجوم أسفر عن مقتل أكثر من 50 شخصًا. كما شنت الجماعة هجومًا آخر في يونيو على بوركينا فاسو، أسفر عن مقتل أكثر من 100 جندي بوركيني، بينما قتل المتمردون الطوارق في شمال مالي في يوليو عشرات الجنود والمرتزقة من مجموعة "فاجنر" الروسية.
وعلق مجاهد دورماز، المحلل البارز في شركة "فيريسك مابلكروفت" الاستخباراتية، قائلاً: "الهجمات واسعة النطاق الأخيرة في مالي وبوركينا فاسو تتحدى بشكل مباشر الرواية الرسمية التي تروج لها الحكومات العسكرية". وأوضح أنه بالرغم من التمتع بهذه المجالس العسكرية بسلطة مطلقة ودعم شعبي نسبي، إلا أن جيوشها فشلت في وقف توسع الجماعات المسلحة، مما أضعف المبرر الذي قدمته لاستيلائها على السلطة.
بدأت موجة الانقلابات في المنطقة في مالي عام 2020 عندما أطاح الجنود بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، ليقوم بعدها رجل الجيش القوي أسيمي جويتا بانقلاب ثانٍ بعد تسعة أشهر. شهدت بوركينا فاسو انقلابين في عام 2022، بينما أطاح جنود متمردون في النيجر في العام الماضي بحليف الغرب محمد بازوم.
وأوضحت الصحيفة أن المجالس العسكرية استغلت سخط الشعب من إخفاقات الحكومات السابقة في مواجهة الفقر، حيث يعيش نحو نصف سكان هذه البلدان تحت خط الفقر. وقادت هذه المجالس أيضًا إلى إعادة ترتيب الوضع الجيوسياسي في المنطقة من خلال طرد القوات الفرنسية، القوة الاستعمارية السابقة، وزيادة عدائها مع الحكومات والشركات الغربية. في المقابل، قامت هذه الحكومات بالتقارب بشكل متزايد مع روسيا، واعتمدت على مجموعة "فاجنر" التي أصبحت الآن تسيطر عليها وزارة الدفاع الروسية تحت مسمى "فيلق أفريقيا".
في بوركينا فاسو، حيث الوضع الأمني يتدهور بشكل سريع، تسيطر الحكومة الآن على أقل من نصف أراضي البلاد، ما أدى إلى نزوح حوالي 10% من سكانها البالغ عددهم 20 مليون نسمة.
وقال دورماز: "المجالس العسكرية تكافح لاحتواء العنف لأن جيوشها تعاني من نقص التمويل وسوء التجهيز ضد الجماعات المتمردة السريعة الحركة". وأضاف أن "شركاءهم الروس يركزون في الغالب على حماية النظام وتأمين الوصول إلى الموارد الطبيعية، ولديهم خبرة قليلة في مواجهة الجماعات المسلحة التي تنشط في المناطق الصحراوية النائية". كما أفادت جماعات حقوق الإنسان بوقوع هجمات عشوائية على المدنيين من قبل القوات العسكرية في المنطقة.