منبج تحت النار.. صراع الاستراتيجيات والتعايش في قلب النزاع السوري
أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الاشتباكات العنيفة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والفصائل الموالية لتركيا في ريف منبج أسفرت عن مقتل نحو 220 عنصرًا خلال الأيام الثلاثة الماضية. وأشار المرصد إلى أن جثث القتلى ما زالت متناثرة في مناطق قرب جسر قرقوزاق وريف منبج، مما يعكس شدة المواجهات العسكرية في المنطقة. هذه الاشتباكات تأتي في سياق التصعيد المستمر بين القوات الكردية المدعومة من التحالف الدولي والفصائل المسلحة الموالية لأنقرة في منطقة شمال شرق سوريا.
وفي إطار التطورات العسكرية، أفاد المرصد بأن قوات "ردع العدوان" قد سيطرت على حقل نفطي في محافظة دير الزور، وهي خطوة تأتي في وقت حساس حيث تسعى عدة أطراف للسيطرة على منابع النفط في شرق سوريا. كما أوضح المرصد أن قوات سوريا الديمقراطية تستعد لتنفيذ حملة أمنية واسعة في ريف دير الزور، وذلك بعد انشقاق قيادي بارز في المجلس العسكري التابع لقسد، وهو ما يثير العديد من الأسئلة حول الاستقرار الداخلي للقوات الكردية في تلك المنطقة.
ورغم هذا التصعيد العسكري، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية في وقت لاحق عن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في منبج بوساطة أمريكية. حيث أكدت قوات قسد أن الهدف من الاتفاق هو البدء في عملية سياسية تتعلق بمستقبل سوريا، على أن يشمل الاتفاق إجراءات لخفض التصعيد وتوفير بيئة مناسبة للحوار بين الأطراف المعنية.
مدينة منبج: موقع استراتيجي وجغرافي
تُعد مدينة منبج من أهم المدن في ريف حلب شمالي سوريا، وتقع على بعد 85 كيلومترًا شرق مدينة حلب، وهي قريبة من الحدود التركية بما يعادل 30 كيلومترًا. هذه المدينة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 550 ألف نسمة، تعتبر مركزًا إداريًا لعدد من النواحي و314 قرية ومزرعة في منطقتي شرق وغرب نهر الفرات. كما أن موقعها الجغرافي يجعلها نقطة اتصال هامة بين أجزاء مختلفة من سوريا، حيث تلتقي عدة طرق هامة في المنطقة.
تتمتع المدينة بموقع استراتيجي حيوي، حيث تقع على الطريق الدولي M4 الذي يربط شرقي سوريا بغربها، مما يجعلها نقطة جذب اقتصادية هامة بالنسبة لجميع الأطراف الفاعلة في المنطقة. كما أن سد تشرين الواقع في جنوب منبج يُعد من أكبر السدود في سوريا، ويعد مصدرًا مهمًا لتوليد الطاقة في البلاد.
تطورات تاريخية للمدينة
تاريخ مدينة منبج حافل بالأحداث الكبرى، فقد كانت منبج تحت سيطرة المعارضة المسلحة منذ عام 2012، قبل أن يستولي عليها تنظيم داعش في وقت لاحق. وقد خضعت المدينة خلال فترة حكم داعش للعديد من الغارات الجوية والقصف العنيف من قبل قوات التحالف الدولي التي كانت تستهدف مواقع التنظيم. وبعد طرد داعش، وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على المدينة بشكل كامل، مما جعلها أحد أهم معاقل القوات الكردية في سوريا.
التركيبة السكانية والتنوع
تتميز مدينة منبج بتنوع سكاني كبير، حيث تشكل العشائر العربية غالبية سكانها، وتقطن فيها أيضًا عشائر تركمانية، بالإضافة إلى الأكراد والشركس والأرمن. هذا التنوع العرقي والديني جعل من منبج منطقة غنية ثقافيًا، ولكنه في ذات الوقت كان مصدرًا للتوترات بين الجماعات المختلفة التي تتنافس على النفوذ والسيطرة على المنطقة.
إن التنوع السكاني في منبج يعكس التحديات التي تواجهها المدينة في ظل الصراع الدائر في سوريا. فعلى الرغم من التعايش التاريخي بين هذه المكونات السكانية، إلا أن الصراع الحالي قد أعاد إثارة الخلافات حول النفوذ والسيطرة، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في المدينة.
من خلال هذه الأحداث المعقدة، تستمر منبج في كونها نقطة محورية في النزاع السوري، مع تدخلات إقليمية ودولية متعددة، حيث تسعى القوى الكبرى المختلفة إلى فرض نفوذها في المنطقة.