حصار ليري.. الإرهابيون يعزلون بلدة استراتيجية في شمال مالي ويهددون استقرار تمبكتو
فرض إرهابيون تابعون لتنظيم "القاعدة"، وتحديدًا جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" (جنيم)، حصارًا خانقًا على بلدة ليري الواقعة في شمال مالي، وهي واحدة من أهم النقاط الحدودية التي تربط مالي بموريتانيا. منذ حوالي أسبوعين، يعاني سكان هذه البلدة، التي تقع على بعد حوالي 60 كيلومترًا فقط من موريتانيا، من هذا الحصار الذي قطع جميع طرق الإمداد وحركة التنقل.
وفقًا لمصادر محلية، فإن الجماعة الإرهابية أصدرت مرسومًا في 29 نوفمبر 2023 يقضي بفرض حظر على البلدة، ما جعل الدخول إليها أو الخروج منها أمرًا شبه مستحيل. يطوق الإرهابيون جميع المنافذ المؤدية إلى البلدة، بينما تُجبر الشاحنات على العودة أدراجها بعد محاولة دخولها. وفيما يتعلق بالتجارة، تم قطع الطريق بين ليري ونيونو وباماكو، ما يعقد عملية نقل البضائع والسلع الأساسية.
وأوضح سائق شاحنة في المنطقة أن الطريق الذي يربط ليري بمناطق أخرى أصبح مغلقًا تمامًا، ما أجبرهم على نقل البضائع عن طريق النهر. ومع زيادة منسوب المياه في النهر، أصبح النقل أكثر صعوبة وتعقيدًا. وأكد هذا السائق أن ارتفاع الأسعار في المنطقة أصبح أمرًا حتميًا بسبب نقص السلع الأساسية، مثل الحليب والمعكرونة والوقود.
يشير البعض إلى أن هذا الحصار يؤثر بشكل كبير على العاصمة الإقليمية تمبكتو، حيث تعتبر هذه المدينة، التي تُلقب بـ "لؤلؤة الصحراء"، واحدة من أهم المعالم التاريخية في المنطقة. الحصار المفروض على ليري يحد من حركة السكان ويؤثر على الإمدادات إلى هذه المنطقة. إحدى شهادات السكان المحليين تشير إلى أن الوصول إلى جنوب مالي أصبح أكثر صعوبة عبر الطرق الرئيسية التي تمر عبر دوينتزا وموبتي، وهي طرق أطول وأكثر تكلفة.
كما أشار سكان إلى أنه بالرغم من خطورة الوضع، لم تُظهر الحكومة المحلية أي رد فعل جاد إزاء ما يحدث في ليري. إلا أن بعض الشهادات أكدت أن السلطات نظمت مرافقة عسكرية واحدة على الأقل الأسبوع الماضي لتأمين الطرق. في وقت سابق، قام الإرهابيون بتدمير جسر دابي الذي يربط بين ليري ونيافونكي، مما زاد من تعقيد الوضع.
تمبكتو، الواقعة على بعد ألف كيلومتر شمال العاصمة باماكو، والتي تعتبر واحدة من أبرز المدن التاريخية في المنطقة ومصنفة ضمن التراث العالمي منذ عام 1988، أصبحت معزولة بشكل متزايد عن العالم الخارجي. في أغسطس 2023، أعلنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" الحرب على منطقة تمبكتو، حيث أصدرت تحذيرات تستهدف الشاحنات القادمة من الجزائر وموريتانيا وغيرها من المناطق المجاورة. وقد أكدت الجماعة أن أي شاحنة لا تلتزم بتلك التحذيرات ستستهدف وتُحرق.
عقب هذا التحذير، تدهور الوضع في تمبكتو بشكل كبير، حيث لم تعد الشاحنات تستطيع دخول المدينة. وفي الوقت نفسه، بدأ السكان في مغادرة المدينة على مسؤوليتهم الخاصة، وسط نقص في الإمدادات الضرورية وتعرض المدينة للقذائف في بعض الأحيان.
ورغم محاولات النقل عبر نهر النيجر الذي يجري في الجنوب، إلا أن الهجوم الذي وقع في 7 سبتمبر 2023 والذي تبنته جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" أسفر عن مقتل عشرات المدنيين على متن سفينة تمبكتو التابعة لشركة الملاحة المائية كوماناف، مما جعل هذا الحل أيضًا غير آمن.
من الواضح أن الحصار الذي فرضه الإرهابيون على ليري يسبب أزمة إنسانية حادة في المنطقة، حيث يعاني السكان من نقص حاد في السلع الأساسية، وارتفاع الأسعار، وتدهور الوضع الأمني. وقد أصبح من الضروري أن تتحرك السلطات المحلية والدولية بسرعة لتخفيف هذا الحصار وضمان الوصول إلى المساعدات الإنسانية قبل أن تتفاقم الأزمة أكثر.