ليبيا على مفترق طرق.. الأمم المتحدة تُقدّم مبادرة جديدة وسط تحديات الانقسام السياسي
شهدت مبادرة الأمم المتحدة الجديدة بشأن الانتخابات الوطنية في ليبيا تحفظات كبيرة من قِبَل القادة السياسيين والمحللين، الذين بدوا متشائمين حيال إمكانية التوصل إلى توافق حول المواد الخلافية التي تعرقل العملية الانتخابية في البلاد. وقد أُعلن عن المبادرة من قِبَل ستيفاني خوري، القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، خلال إحاطة قدمتها أمام مجلس الأمن الدولي. وتناول البيان مخاوفها من أن الانقسام السياسي المستمر قد يعيق إجراء الانتخابات ويؤثر سلبًا على ملف المصالحة الوطنية.
وتتمحور المبادرة التي قدمتها خوري حول عدد من الأولويات، أبرزها تشكيل لجنة فنية من خبراء ليبيين للنظر في القضايا الخلافية المتعلقة بالقوانين الانتخابية وإيجاد حلول لها بهدف إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن، بالإضافة إلى العمل على توحيد الحكومات المتنافسة في سلطة تنفيذية توافقية. وهذه الخطوة تأتي في إطار الجهود الدولية لإحياء العملية السياسية التي توقفت بعد إلغاء الانتخابات الوطنية التي كانت مقررة في ديسمبر 2021 بسبب الخلافات حول شروط الترشح.
موقف المعارضة والتحفظات السياسية
لكن المبادرة واجهت رفضًا مؤكدًا من بعض الأطراف السياسية في ليبيا. المحلل السياسي الليبي حمزة علي قلل من فعالية المقترحات التي طرحتها خوري، معتبرًا أن "الأطراف المتحكمة في المشهد الليبي ترفض إجراء انتخابات قد تخرجها من السلطة وتساهم في حل أزمة الشرعية التي يعاني منها الجميع". وأضاف علي أن المبادرة قد تساهم في تأجيل حل الأزمة السياسية بدلاً من التوصل إلى حلول حقيقية، مشيرًا إلى أن الوضع السياسي في ليبيا لا يزال هشًا رغم الاستقرار الأمني النسبي، وأن التحالفات السياسية قد تنهار في أي وقت.
كما شبه مراقبون ليبيون خطة خوري بمبادرة سابقة للمبعوثة الأممية ستيفاني ويليامز، التي أسفرت عن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة والمجلس الرئاسي في بداية عام 2021، قبل أن يسحب البرلمان منها الثقة بعد فشل إجراء الانتخابات المقررة في ديسمبر من نفس العام.
الانتقادات البرلمانية والمواقف الدولية
من جهة أخرى، انتقد مجلس النواب الليبي الخطة المقترحة من الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن ما عرضته خوري لم يتضمن جديدًا أو حلولًا ملموسة للمشاكل السياسية العميقة في ليبيا. وقال المجلس في بيان له إن المبادرة ما هي إلا تكرار للمواقف السابقة، وأن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى تأجيج الأزمة الليبية بدلاً من حلها. واعتبر المجلس أن تدخلات الأمم المتحدة في الشأن الليبي غير مسؤولة ولا تحقق تقدمًا حقيقيًا في عملية الحل السياسي.
في المقابل، أثنى موسى الكوني، عضو المجلس الرئاسي الليبي، على جهود البعثة الأممية، ودعا إلى تشكيل لجنة استشارية من خبراء مستقلين غير جدليين، بهدف معالجة القضايا السياسية والانتخابية العالقة. كما طرح زياد دغيم، مستشار رئيس المجلس الرئاسي لشؤون الانتخابات، عدة تساؤلات بشأن معايير اختيار الخبراء الذين ستشكل منهم اللجنة، والجدول الزمني لعملهم، بالإضافة إلى إمكانية التوصل إلى توافق بشأن المواد الخلافية التي كانت قد سببت صراعًا طويلًا بين الأطراف السياسية في ليبيا.
التحديات المستقبلية
وبينما تواصل الأمم المتحدة جهودها لتسريع العملية السياسية، يبقى أمامها تحدٍ كبير في مواجهة الانقسامات السياسية الراسخة في ليبيا. وتستمر القضايا الخلافية، مثل مواد الدستور والقوانين الانتخابية، في تعطيل الحلول السياسية. وسيظل دور الأمم المتحدة في تحفيز الأطراف الليبية على الحوار والتوافق أمرًا حاسمًا في تحديد مستقبل البلاد خلال المرحلة المقبلة.