بناء علاقة غير تقليدية بين سوريا ولبنان.. من التبعية إلى التعاون المتوازن
أكد عدد من الساسة والخبراء السوريين واللبنانيين ضرورة تأسيس علاقة غير تقليدية بين سوريا ولبنان، تقوم على أسس مستقلة وعادلة، بعيدة عن التبعية أو فرض الوصاية من أي طرف. وأشاروا إلى أهمية الحفاظ على الروابط التاريخية والأواصر بين الشعبين، واحترام الخصوصية السياسية والاجتماعية لكل من البلدين، مع ضرورة تجنب تصدير أي تهديدات بينهما والعمل في إطار التعاون المشترك وحسن الجوار، بما يساهم في تعزيز العلاقات العربية المشتركة.
وفي تصريحات صحفية، أوضح الخبراء أن بناء علاقة غير تقليدية بين سوريا ولبنان يتطلب وضع أسس قائمة على احترام سيادة واستقلال كل من البلدين، والتأكيد على عدم التدخل في شؤونهما الداخلية. كما أكدوا على ضرورة أن تكون العلاقة بين البلدين خالية من أي تدخلات خارجية، مع الحفاظ على المصالح المشتركة بعيدًا عن التأثيرات التي فرضتها القوى الإقليمية والدولية على مر العقود. ولفت الخبراء إلى أن العلاقة بين سوريا ولبنان تعرضت لتهديدات عديدة في الفترات السابقة نتيجة لتدخلات مصالح بعض الساسة والجماعات التي جعلت الدولتين فريسة لأجندات خارجية، كان آخرها مشروع الهيمنة الإيرانية عبر حزب الله، وهو ما يخدم مصالح النظام السوري، مما أدى إلى تعرض أمن البلدين للتهديد.
وفي هذا السياق، أبدت الحكومة اللبنانية مؤخرًا رغبتها في تعزيز "أفضل علاقات الجوار" مع سوريا، معبرة عن أملها في أن تساهم الإدارة السورية الجديدة في فتح صفحة جديدة من الدبلوماسية السورية على الصعيدين الإقليمي والدولي. وقالت وزارة الخارجية اللبنانية، في منشور عبر منصة إكس، إن وزير الخارجية والمغتربين اللبناني، الدكتور عبد الله بوحبيب، أجرى اتصالًا هاتفيًا مع نظيره السوري، هنأه فيه بمناسبة تعيينه وزيرًا للخارجية والمغتربين في الجمهورية العربية السورية، متمنيًا له التوفيق والنجاح في مهامه الجديدة.
وفي السياق نفسه، أكد السياسي اللبناني ورئيس حزب الريادة، عدنان الحكيم، أن "العلاقات بين البلدين يجب أن تحكمها الأطر والأعراف المعمول بها بين أي دولتين جارتين، وأن تكون خالية من التقاليد غير المنضبطة التي كانت تتحكم في العلاقة الرسمية بين سوريا ولبنان في الماضي". وأوضح الحكيم أن العلاقة بين دمشق وبيروت كانت في فترة معينة تُحدد من قبل ضابط أمن سوري كان بمثابة المفوض السامي الحاكم في لبنان، ويقع مقر هذا الضابط في بلدة عنجر الحدودية، حيث كان هو الآمر الناهي في مختلف القضايا، حتى في الشؤون الداخلية للبنان.
وأشار إلى أن هذه العلاقات كانت تدار بطريقة غير متوازنة حيث كان الجميع يسعى لنيل رضا هذا الضابط بغية الحصول على مصالحهم الشخصية، سواء في فترة حكم حافظ الأسد أو بعده في فترة حكم نجله بشار الأسد. وذكر الحكيم أن من كان يعارض هذه السلطة كان مصيره مشابهًا لمصير شخصيات لبنانية بارزة مثل كمال جنبلاط، والمفتي الشهيد حسن خالد، وغيرهم من الشخصيات التي اختفت عن الساحة اللبنانية بسبب معارضتهم للسلطة السورية.
وأوضح أن لبنان كان في تلك الفترة يعتبر تابعًا لسوريا من خلال وجود الجيش السوري على أراضيه، إلى أن تم انسحاب هذا الجيش في وقت لاحق عبر حلفائه، ومن هنا يبرز أهمية تصحيح هذه العلاقة لتصبح قائمة على أسس جديدة غير تقليدية تضمن احترام سيادة واستقلال كلا البلدين، بعيدًا عن التدخل في شؤونهما الداخلية.
وأكد الحكيم أنه إذا توافرت النوايا الحسنة بين المسؤولين في البلدين، وخاصة لدى المسؤولين الجدد في سوريا، يمكن بناء علاقة غير تقليدية بين البلدين تعتمد على الاحترام المتبادل للسيادة والاستقلال، مع تجنب أي تدخل في الشؤون الداخلية لكل من البلدين، ما عدا في إطار المشورة والعمل العربي المشترك. وأضاف الحكيم أن الإطار المناسب لهذه العلاقة يتطلب تبادل التمثيل الدبلوماسي بشكل حقيقي، وليس بشكل شكلي، مع الاحترام الكامل لمكونات البلدين الطائفية والعرقية، مما يسهم في تعزيز استقرار العلاقات بينهما.
وشدد الحكيم على أهمية أن لا يُسمح لأي طرف خارجي بتوجيه أي بلد نحو أجندات قد تخل بالأمن الداخلي لأي من الدولتين، في ظل المعادلات الجيوسياسية التي باتت تؤثر على المنطقة. وبيّن أن ربط عواصم عربية تحت تصرف جهة إقليمية قد لا يتوافق مع الواقع التاريخي والجغرافي، مما يتطلب إعادة النظر في التعاملات السياسية في المنطقة.
من جهته، أكد الباحث السياسي السوري، مروان حداد، أن هناك روابط تاريخية وطبيعية بين الشعبين السوري واللبناني في مختلف الأبعاد، سواء من حيث النسب والمصاهرة أو في العلاقات الثقافية والاجتماعية. وأشار إلى أن ما عكر صفو هذه العلاقات في الماضي هو هيمنة بعض الطبقات الحاكمة من كلا البلدين، بالإضافة إلى مصالح ونفوذ بعض القوى السياسية والعائلات التي استغلت العلاقات بين البلدين لتحقيق مكاسب شخصية. وأكد حداد أن هذه السياسات أدت إلى جعل سوريا ولبنان فريسة لقوى إقليمية، كان آخرها الهيمنة الإيرانية عبر حزب الله، مما ساهم في تأجيج التوترات الإقليمية، وأدى إلى تدهور الأمن في البلدين.
وأضاف حداد أن العلاقة المطلوبة بين البلدين يجب أن تقوم على المنفعة المتبادلة، حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز أمنه واستقراره، مع احترام خصوصية كل دولة وما يحمي حدودها وسيادتها. وأشار إلى أن العلاقة غير التقليدية التي يتم السعي إلى بنائها بين سوريا ولبنان يجب أن تكون قائمة على مبادئ تضمن استقلالية كل دولة، كما كان الحال في فترات تاريخية سابقة قبل الاستقلال، حيث كانت العلاقة بين البلدين تتم في إطار من التعاون المتوازن والمصالح المشتركة.
وفي الختام، شدد حداد على ضرورة أن تتعلم النخب الحاكمة في سوريا ولبنان من دروس الماضي، وأن يكون العمل بين البلدين جادًا في إطار التعاون المشترك بما يحفظ مصالح البلدين وشعبيهما، بعيدًا عن أي تأثيرات إقليمية أو دولية قد تؤثر على استقلالهما.