تداعيات التقارب الأمريكي-الروسي على الأمن والاستخبارات

تشير التقارير الواردة إلى أن استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعادة بناء العلاقات مع روسيا قد تترتب عليها تداعيات أمنية معقدة، من أبرزها توسيع نطاق العمليات الاستخباراتية الروسية داخل الولايات المتحدة. ووفقًا لدبلوماسيين مطلعين، فإن هذا النهج قد يمنح روسيا فرصة لإعادة تشكيل شبكات تجسسها، من خلال إرسال عملاء بغطاء دبلوماسي لتعزيز أنشطتها الاستخباراتية.
ويحذر خبراء من أن تفكيك ترامب لبعض أجهزة العمل الفيدرالي قد يؤدي إلى إضعاف قدرات الاستخبارات الأمريكية، وهو ما قد يمنح موسكو هامشًا أكبر للمناورة والتوسع في أنشطتها التجسسية داخل الأراضي الأمريكية. كما أن التحولات في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بتراجع الدعم المقدم لأوكرانيا، أثارت قلق الدول الأوروبية التي ترى في ذلك تهديدًا مباشرًا لاستقرار القارة وتوازن القوى بين الغرب وروسيا.
في ظل هذه التطورات، يتوقع أن يشهد العالم لقاءً مرتقبًا بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، رغم عدم تحديد موعد ومكان انعقاده حتى الآن. ويرجح أن يكون لهذا اللقاء تأثير كبير على مستقبل العلاقات الثنائية، فضلًا عن إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي، خصوصًا في ما يتعلق بمواقف الولايات المتحدة تجاه حلفائها التقليديين في أوروبا.
في سياق أخر تسارع القوات الروسية في تنفيذ عمليات عسكرية مكثفة ضد القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية، في خطوة تهدف إلى إضعاف موقف كييف في أي محادثات سلام مستقبلية، خاصة بعد تعليق الولايات المتحدة للمساعدات العسكرية الجديدة لأوكرانيا. ويبدو أن موسكو تراهن على استغلال هذا التراجع في الدعم الغربي لتعزيز مكاسبها الميدانية.
كشف القائد العسكري الشيشاني، أبتي علاء الدينوف، الذي يقود "قوات أحمد" الخاصة، أن الهجوم الروسي في كورسك يشمل عدة محاور، حيث تنفذ وحدات المظليين وأفواج البنادق الآلية وقوات أحمد عمليات عسكرية ضارية، مشيراً إلى أن القوات الأوكرانية بدأت تتراجع عن مواقعها تحت الضغط.
وتشير التقارير الروسية إلى تقدم واضح للقوات الروسية نحو بلدة سودجا، التي تبعد حوالي 9.5 كيلومتر عن الحدود الأوكرانية. وأكدت وزارة الدفاع الروسية سيطرتها على عدة بلدات استراتيجية، منها فيكتوروفكا ونيكولايفكا وستارايا سوروتشينا، ما يعكس تصعيدًا ميدانيًا ملحوظًا.
ضغط سياسي لتغيّر المعادلة الدولية
يأتي هذا التصعيد العسكري في وقت يمارس فيه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب ضغوطًا على أوكرانيا للتفاوض على اتفاق سلام، في ظل تلميحات إلى أن الكرملين قد يكون مستعدًا لهدنة مؤقتة بشروط معينة.
وتتزامن هذه التطورات مع اجتماع مرتقب بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين في السعودية، يهدف إلى تحسين العلاقات وإعادة تفعيل تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين، والذي تم تعليقه مؤخرًا.
تصعيد متبادل وهجمات موسّعة
أوكرانيا، من جانبها، أفادت بتعرضها لهجمات صاروخية روسية مكثفة، خاصة في منطقة دونيتسك، حيث أسفرت إحدى الضربات عن مصرع 12 شخصًا على الأقل. وفي المقابل، أعلنت موسكو عن استهداف مصفاة نفط رئيسية قرب سانت بطرسبرغ بطائرة مسيرة، في تصعيد يعكس استمرار العمليات العسكرية المتبادلة بين الطرفين.
تدهور وضع القوات الأوكرانية في كورسك
تحليلات الخرائط مفتوحة المصدر، مثل خدمة DeepState الأوكرانية، تؤكد أن القوات الأوكرانية في كورسك تواجه وضعًا حرجًا، حيث باتت شبه محاصرة مع تقلص المنطقة الخاضعة لسيطرتها بنسبة 20% خلال أقل من ثلاثة أسابيع. كما كشفت التقارير عن استخدام القوات الروسية لخط أنابيب غاز طبيعي مهجور للتسلل خلف الخطوط الأوكرانية، في خطوة تعكس تكتيكات جديدة لتعزيز سيطرتها الميدانية.
تداعيات وقف المساعدات الأمريكية
يرى "معهد دراسة الحرب" (ISW) أن روسيا تسعى للاستفادة من تعليق المساعدات الأمريكية عبر تكثيف عملياتها الهجومية على جبهات محددة، مستغلة التراجع المحتمل في قدرة أوكرانيا على الدفاع عن مواقعها الحيوية.
مع استمرار التصعيد العسكري، يبدو أن روسيا تحاول فرض أمر واقع جديد قبل أي مفاوضات سلام محتملة، مستفيدة من التغيرات في الدعم الغربي لأوكرانيا. في المقابل، تعتمد كييف على تعزيز تحالفاتها الدولية وضغطها الدبلوماسي للحفاظ على موقفها الاستراتيجي، مما يجعل الأشهر القادمة حاسمة في تحديد مسار النزاع.